الحق. والخطاب في (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) للنبي صلىاللهعليهوسلم والمقصود التعريض بغيره ، والمعرّض بهم هنا هم النصارى الممترون الذين امتروا في الإلهية بسبب تحقق أن لا أب لعيسى.
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١))
تفريع على قوله : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) لما فيه من إيماء إلى أنّ وفد نجران ممترون في هذا الذي بيّن الله لهم في هذه الآيات : أي فإن استمرّوا على محاجتهم إياك مكابرة في هذا الحق أو في شأن عيسى فادعهم إلى المباهلة والملاعنة. ذلك أنّ تصميمهم على معتقدهم بعد هذا البيان مكابرة محضة بعد ما جاءك من العلم وبينت لهم ، فلم يبق أوضح مما حاججتهم به فعلمت أنهم إنما يحاجونك عن مكابرة ، وقلة يقين ، فادعهم إلى المباهلة بالملاعنة الموصوفة هنا.
و (تَعالَوْا) اسم فعل لطلب القدوم ، وهو في الأصل أمر من تعالى يتعالى إذا قصد العلوّ ، فكأنّهم أرادوا به في الأصل أمرا بالصعود إلى مكان عال تشريفا للمدعو ، ثم شاع حتى صار لمطلق الأمر بالقدوم أو الحضور ، وأجريت عليه أحوال اسم الفعل فهو مبني على فتح آخره وأما قول أبي فراس الحمداني :
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا |
|
تعالي أقاسمك الهموم تعالي |
فقد لحّنوه فيه.
ومعنى (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) ائتوا وادعوا أبناءكم ونحن ندعو أبناءنا إلى آخره ، والمقصود هو قوله : (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) إلى آخره.
و (ثم) هنا للتراخي الرتبي.
والابتهال مشتق من البهل وهو الدعاء باللعن ويطلق على الاجتهاد في الدعاء مطلقا لأنّ الداعي باللعن يجتهد في دعائه والمراد في الآية المعنى الأول.
ومعنى (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ) فندع بإيقاع اللعنة على الكاذبين. وهذا الدعاء إلى المباهلة إلجاء لهم إلى أن يعترفوا بالحق أو يكفوا. روى المفسرون وأهل السيرة أنّ وفد نجران لما دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الملاعنة قال لهم العاقب : نلاعنه فو الله لئن كان نبيئا