قالوا فترتّب على قولهم أن كان ذلك حسرة في قلوبهم ، فيكون قوله : (لِيَجْعَلَ) على هذا الوجه من صلة (الّذين) ، ومن جملة الأحوال المشبّه بها ، فيعلم أنّ النّهي عن التّشبّه بهم فيها لما فيها من الضرّ.
والحسرة : شدّة الأسف أي الحزن ، وكان هذا حسرة عليهم لأنّهم توهّموا أنّ مصابهم نشأ عن تضييعهم الحزم ، وأنّهم لو كانوا سلكوا غير ما سلكوه لنجوا فلا يزالون متلهّفين على ما فاتهم. والمؤمن يبذل جهده فإذا خاب سلّم لحكم القدر.
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تحذير لهم من أن يضمروا العود إلى ما نهوا عنه.
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨))
ذكر ترغيبا وترهيبا ، فجعل الموت في سبيل الله والموت في غير سبيل الله ، إذا أعقبتهما المغفرة خيرا من الحياة وما يجمعون فيها ، وجعل الموت والقتل في سبيل الله وسيلة للحشر والحساب فليعلم أحد بما ذا يلاقي ربّه. والواو للعطف على قوله : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) وعلى قوله : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) [آل عمران : ١٥٦].
واللام في قوله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ) موطّئة للقسم أي مؤذنة بأنّ قبلها قسما مقدّرا ، ورد بعده شرط فلذلك لا تقع إلّا مع الشرط. واللام في قوله : (لَمَغْفِرَةٌ) هي لام جواب القسم. والجواب هو قوله : (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ) لظهور أنّ التقدير : لمغفرة ورحمة لكم. وقرأه نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف : متّم ـ بكسر الميم ـ على لغة الحجاز لأنّهم جعلوا ماضيه مثل خاف ، اعتبروه مكسور العين وجعلوا مضارعه من باب قام فقالوا : يموت ، ولم يقولوا : يمات ، فهو من تداخل اللغتين. وأمّا سفلى مضر فقد جاءوا به في الحالين من باب : قام فقرأوه : متّم. وبها قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب. وقرأ الجمهور ، مما تجمعون ـ بتاء الخطاب ـ وقرأ حفص عن عاصم ـ بياء الغائب ـ على أنّ الضّمير عائد إلى المشركين أي خير لكم من غنائم المشركين الّتي جمعوها وطمعتم أنتم في غنمها.
وقدّم القتل في الأولى والموت في الثانية اعتبارا بعطف ما يظنّ أنّه أبعد عن الحكم فإنّ كون القتل في سبيل الله سببا للمغفرة أمر قريب ، ولكن كون الموت في غير السبيل مثل ذلك أمر خفي مستبعد ، وكذلك تقديم الموت في الثّانية لأنّ القتل في سبيل الله قد