ومعنى (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يسارعون إليها أي يرغبون في الاستكثار منها. والمسارعة مستعارة للاستكثار من الفعل ، والمبادرة إليه ، تشبيها للاستكثار والاعتناء بالسير السريع لبلوغ المطلوب. وفي للظرفية المجازية ، وهي تخييلية تؤذن بتشبيه الخيرات بطريق يسير فيه السائرون ، ولهؤلاء مزيّة السرعة في قطعه. ولك أن تجعل مجموع المركّب من قوله (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) تمثيلا لحال مبادرتهم وحرصهم على فعل الخيرات بحال السائر الراغب في البلوغ إلى قصده يسرع في سيره. وسيأتي نظيره عند قوله تعالى (لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) في سورة العقود [١٧٦].
والإشارة بأولئك إلى الأمّة القائمة الموصوفة بتلك الأوصاف. وموقع اسم الإشارة التنبيه على أنّهم استحقوا الوصف المذكور بعد اسم الإشارة بسبب ما سبق اسم الإشارة من الأوصاف.
(وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥))
تذييل للجمل المفتتحة بقوله تعالى : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) [آل عمران : ١١٣] إلى قوله (مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران : ١١٤] وقرأ الجمهور : تفعلوا ـ بالفوقية ـ فهو وعد للحاضرين ، ويعلم منه أنّ الصّالحين السّابقين مثلهم ، بقرينة مقام الامتنان ، ووقوعه عقب ذكرهم ، فكأنّه قيل : وما تفعلوا من خير ويفعلوا. ويجوز أن يكون التفاتا لخطاب أهل الكتاب. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف ـ بياء الغيبة ـ عائدا إلى أمّة قائمة.
والكفر : ضد الشكر أي هو إنكار وصول النّعمة الواصلة. قال عنترة :
نبئت عمرا غير شاكر نعمتي |
|
والكفر مخبثة لنفس المنعم |
وقال تعالى (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) وأصل الشكر والكفر أيتعديا إلى واحد ، ويكون مفعولهما النّعمة كما في البيت. وقد يجعل مفعولهما المنعم على التوسّع في حذف حرف الجرّ ، لأن الأصل شكرت له وكفرت له. قال النابغة :
شكرت لك النعمي
وقد جمع بين الاستعمالين قوله تعالى (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)[البقرة : ١٥٢] وقد عدّي تكفرون هنا إلى مفعولين : أحدهما نائب الفاعل ، لأن الفعل ضمّن معنى الحرمان. والضّمير المنصوب عائد إلى خير بتأويل خير بجزاء فعل الخير على طريقة الاستخدام وأطلق الكفر هنا على ترك جزاء فعل الخير ، تشبيها لفعل الخير بالنّعمة. كأنّ