الأنعام [٩٢].
ووصفه بالمصدر في قوله : (وَهُدىً) مبالغة لأنّه سبب هدى.
وجعل هدى للعالمين كلّهم : لأنّ شهرته وتسامع النّاس به ، يحملهم على التساؤل عن سبب وضعه ، وأنّه لتوحيد الله ، وتطهير النّفوس من خبث الشرك فيهتدي بذلك المهتدي ، ويرعوي المتشكك.
ومن بركة ذاته أنّ حجارته وضعتها عند بنائه يد إبراهيم ، ويد إسماعيل ، ثمّ يد محمّدصلىاللهعليهوسلم ، ولا سيما الحجر الأسود. وانتصب (مُبارَكاً وَهُدىً) على الحال من الخبر ، وهو اسم الموصول.
وجملة (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) استئناف ثناء على هذا البيت بما حفّ به من المناقب والمزايا فغيّر الأسلوب للاهتمام ولذلك لم تجعل الجملة حالا ، فتعطف على الحالين قبلها ، لأنّ مباركا وهدى وصفان ذاتيّان له ، وحالان مقارنان ، والآيات عوارض عرضت في أوقات متفاوتة ، أو هي حال ثالثة ولم تعطف بالواو لأنّها جملة وما قبلها مفردان ولئلّا يتوهم أن الواو فيها واو الحال ، فتكون في صورتها جارية على غير صورة الأفصح في مثلها من عدم الاقتران بالواو ، على ما حقّقه الشّيخ عبد القاهر ، فلو قرنت بواو العطف لالتبست بواو الحال ، فكرهت في السمع ، فيكون هذا من القطع لدفع اللبس ، أو نقول هي حال ولم تعطف على الأحوال الأخرى لأنّها جملة ، فاستغنت بالضّمير عن رابط العطف.
ووصف الآيات ببيّنات لظهورها في علم المخاطبين. وجماع هذه الآيات هي ما يسّره الله لسكّان الحرم وزائريه من طرق الخير ، وما دفع عنهم من الأضرار ، على حالة اتّفق عليها سائر العرب ، وقمعوا بها أنفسهم وشهواتهم ، مع تكالبهم على إرضاء نفوسهم. وأعظمها الأمن ، الّذي وطن عليه نفوس جميع العرب في الجاهلية مع عدم تديّنهم ، فكان الرجل يلاقي قاتل أبيه في الحرم فلا يناله بسوء ، وتواضع مثل هذا بين مختلف القبائل ، ذات اختلاف الأنساب والعوائد والأديان ، آية على أنّ الله تعالى وقر ذلك في نفوسهم. وكذلك تأمين وحشه مع افتتان العرب بحبّ الصّيد. ومنها ما شاع بين العرب من قصم كلّ من رامه بسوء ، وما انصراف الأحباش عنه بعد امتلاكهم جميع اليمن وتهامة إلا آية من آيات الله فيه. ومنها انبثاق الماء فيه لإسماعيل حين إشرافه على الهلاك. وافتداء الله تعالى إياه بذبح عظيم حين أراد أبوه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ قربانه. ومنها ما شاع بين العرب