وتوارثوا خبره أبا عن جدّ من نزول الحجر الأسود من السّماء على أبي قبيس بمرأى إبراهيم ، ولعلّه حجر كوكبي. ومنها تيسير الرزق لساكنيه مع قحولة أرضه ، وملوحة مائه.
وقوله : (مَقامُ إِبْراهِيمَ) أصل المقام أنّه مفعل من القيام ، والقيام يطلق على المعنى الشّائع وهو ضدّ القعود ، ويطلق على خصوص القيام للصّلاة والدعاء ، فعلى الوجه الثّاني فرفع مقام على أنّه خبر لضمير محذوف يعود على (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) ، أي هو مقام إبراهيم ، أي البيت الّذى ببكّة. وحذف المسند إليه هنا جاء على الحذف الّذي سمّاه علماء المعاني ، التّابعين لاصطلاح السكاكي ، بالحذف للاستعمال الجاري على تركه ، وذلك في الرفع على المدح ، أو الذم ، أو الترحّم ، بعد أن يجري على المسند إليه من الأوصاف قبل ذلك ما يبيّن المراد منه كقول أبي الطمحان القيني :
فإنّ بني لأم بن عمرو أرومة |
|
سمت فوق صعب لا تنال مراقبه |
نجوم سماء كلّما انقضّ كوكب |
|
بدا كوكب تأوي إليه كواكبه |
هذا هو الوجه في موقع قوله تعالى : (مَقامُ إِبْراهِيمَ).
وقد عبّر عن المسجد الحرام بأنّه مقام إبراهيم أي محلّ قيامه للصلاة والطواف قال تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة : ١٢٥] ويدل لذلك قول زيد بن عمرو بن نفيل :
عذت بما عاذ به إبراهم |
|
مستقبل الكعبة وهو قائم |
وعلى الوجه الأول يكون المراد الحجر الّذى فيه أثر قدمي إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في الصّخرة التي ارتقى عليها ليرفع جدران الكعبة ، وبذلك فسر الزجّاج وتبعه على ذلك الزمخشري ، وأجاب الزمخشري عمّا يعترض به من لزوم تبيين الجمع بالمفرد بأنّ هذا المفرد في قوّة جماعة من الآيات لأنّ أثر القدم في الصّخرة آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية وإلانة بعض الصّخر دون بعض آية ، وأنا أقول : إنّه آيات لدلالته على نبوّة إبراهيم بمعجزة له وعلى علم الله وقدرته ، وإنّ بقاء ذلك الأثر مع تلاشي آثار كثيرة في طيلة القرون آية أيضا.
وقوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) عطف على مزايا البيت وفضائله من الأمن فيه على العموم ، وامتنان بما تقرّر في ماضي العصور ، فهو خبر لفظا مستعمل في الامتنان ، فإنّ الأمن فيه قد تقرّر واطّرد ، وهذا الامتنان كما امتنّ الله على النّاس بأنّه خلق لهم أسماعا