ثم ارتحل عمر حتى أتى دمشق ، فشاطرهم منازلهم وكنائسهم ، وجعل يأخذ الحيّز القبلي من الكنيسة لمسجد المسلمين لأنها أنظف وأطهر ، وجعل يأخذ هو بطرف الجبل ، ويأخذ النبطي بطرف الحبل حتى شاطرهم منازلهم ، قال : فربما أزحف فأخذ الحبل منه فأعقبه ، ففرغ عمر من دمشق وحمص وبعث أبا عبيدة إلى قنّسرين وحلب ومنبج ففعل بها كما فعل عمر ، ورجع عمر من حمص إلى المدينة.
قال : فلما نزل أبو عبيدة منبج بعث عياض بن غنم في عشرين فارسا ، فأتى الرها وقد اجتمع أهل الجزيرة من الأنباط ، فأتاها ابن غنم فوقف عند بابها الشرقي على فرس أحمر محذوف ، فأخبرنا أحمد بن معاوية ، عن محمّد بن سليمان بن عطاء قال : حدّثني أبي عن جدي ، عن من سمع عياضا وهو يدعوهم إلى الإسلام ، فأبوا عليه ، فعرض عليهم الجزية ، فأقرّوا ، وقد عرفوا شرط عمر بن الخطاب على أهل الشام ، فقالوا : نقرّ على أن نشترط قال : نعم ، فاشترطوا واشترط ، فاشترطوا كنائسهم التي في أيديهم على أن يؤدوا (١) خراجها وما لجأ إليها من طائر ، وصلمهم التي في كنيستهم قال محمّد بن سليمان بن عطاء الصلم الخشبة التي يزعمون أن عيسى بن مريم صلب عليها ، لم يقل صلبهم وسور مدينتهم. قال عياض : فإنّي أشترط أنا أيضا ، فاشترط عليهم أن يشاطرهم منازلهم وينزل فيها المسلمون ، وعلى أن لا يحدثوا كنيسة إلّا ما في أيديهم ، وعلى أن لا يرفعوا صليبا ولا يضربوا بناقوس إلّا في جوف كنيسة ، وأن يقروا ضيف المسلمين يوما وليلة ، وعلى أن يحملوا راجل المسلمين من رستاق إلى رستاق ، وعلى أن لا يعمروا خنزيرا بين ظهراني المسلمين ، وعلى أن يناصحوا المسلمين ولا يغشوهم ، ولا يمالئوا عليهم عدوا ، فمن وفى لنا وفينا له ، ومنعناه مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا ، ومن انتهك شيئا من ذلك استحللنا سفك دمه وسباء أهله ، وماله ، فقالوا : اكتب بيننا وبينك كتابا ، فتورّك عياض على فرسه ، فلما فرغ قالوا : اشهد لنا ، قال : فكتب : شهد الله وملائكته ، وكفى بالله شهيدا ، ودفع الكتاب إليهم ، فدخل في شرطهم جميع أهل الجزيرة ، وأما الأرض ففيء المسلمين (٢) وأنتم عمالهم فيها.
قال القاضي (٣) : قوله فمن أراد بحبوحة الجنة يعني فضاءها وسعتها كما قال جرير :
__________________
(١) تقرأ بالأصل : يفردوا ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٢) في الجليس الصالح : نهي للمسلمين.
(٣) يعني المعافى بن زكريا الجريري.