حلو ، ودفعا إليّ خمسين درهما ، وأقاما عندي جمعة ، ثم قالا لي : في قرية برزة واد؟ فقلت : نعم ، فأريتهما إياه بالنهار ، فوقفا عليه ، ثم خرجا إليه في نصف الليل ، وأخذاني معهما ، ونزلا فيه إلى قعره ، ومشيا فيه نحو نصفه وكانت معهما [دابّة](١) محملة ، فحطّا عنها ، وأخرجا خمس مجامر ، وأوقدا فيها نارا ، وجعلا في الخمس مجامر (٢) بخورا كثيرا حتى عجعج الوادي بالدخان ، وأقبلا يعزمان (٣) والحيّات تقبل إليهما من كل مكان ، فلا يعرضوا لحية منها ، إلى أن جاءت إليهم حية نحو ذراع أو أطول قليلا ، وعيناها توقدان مثل الدينار ، فلما رأياها فرحا واستبشرا وسرّا سرورا عظيما ، وقالا : من أجل هذه الحية جئنا من بلد خراسان نسير نحوا من سنة ، فالحمد لله الذي لم يخيب سفرنا وعظيم نفقتنا ، ثم قبضا على الحية ، وأطفآ النار وكسرا المجامر ، ثم أخذا ميلا فأدخلاه في عين الحية واكتحلا به ، فلمّا رأيتهما فعلا ذلك قلت لهما اكحلاني كما اكتحلتما ، فقالا لي : ما يصلح لك ، قلت : لا بدّ لي من ذلك ، قالا : يا هذا ما لك فائدة فيه ، قلت : والله لا زايلتكما أو تكحلاني منها. فقالا لي : يا هذا إنّا قد مالحناك ، ووجب حقك علينا ، وقد برناك بخمسين درهما ، وأنفقنا في منزلك نحو مائة درهم ، وما نشتهي أن يقع بيننا وبينك شرّ وخصومة فيما لا إرب لك فيه ولا فائدة ، فقلت : والله الذي لا إله إلّا هو لئن لم تكحلاني لأصرخنّ بالوالي (٤) حتى يخرج فيأخذكما ، وما معكما وينهبكما فلمّا لم يريا لهما مني مخلصا قالا لي : فنكحل عينك الواحدة فرضيت بذلك ، فكحلا عيني اليمنى فحين وقع ذلك في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة ، أنظر ما تحتها كما توري المرآة ثم قالا لي وحملا دابتهما : سر معنا قليلا ، فسرت معهما وهما يتحدثان حتى إذا بعدنا عن القرية ، علّقاني وكتفاني ثم أدخل أحدهما يده في عيني فقلعها ورمى بها وتركاني مكتفا ، ومضيا ، فكان آخر العهد بهما ، ولم أزل مكتفا إلى الصبح ، حتى جاءني نفر من الناس فحلني ؛ فهذا ما كان من خبر عيني.
٨٦٦٥ ـ أبو عبد الله بن كيسان
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز بن الكتاني ، قال : وجدت في كتاب
__________________
(١) سقطت من الأصل ، وزيدت للإيضاح عن مختصري ابن منظور وأبي شامة.
(٢) كذا بالأصل : «الخمس مجامر» وفي أبي شامة : «الخمس المجامر».
(٣) يقال عزم الحواء إذا استخرج الحية.
(٤) في مختصر ابن منظور : «بالوادي» وفي أبي شامة : إلى الوالي.