ما نعمل من أمره ، فقال بعضنا لبعض : قطّعوه إربا إربا ويخرج بكل قطعة منه رجل يرمي به في نهر](١). ثم تنفّس وجلس ، فقيل له : ما شأنك؟ فقال : التوبة ، إني كنت أحضر معكم وأستهزئ بما يجري من أصحابنا من الوجد ، فلمّا قام أصحابنا الليلة ، جرى في قلبي ذلك الاستهزاء الذي كنت أجده ، فإذا بأسود بشيع الخلقة ، ومعه [حربة](٢) من نار فأهوى إليّ بها وقال : أتهزأ بأولياء الله؟ ثم لا (٣) أدري ما كان مني حتى السّاعة ، فأنا تائب إلى الله مما سلف.
قال السلمي (٤) : هذا كان مبدأ حديث أبي عمر ، ثم علا حتى صار أحد أئمة القوم.
قال : وسمعت أبا القاسم الدمشقي يقول : سألت أبا عمر الدّمشقي : أي الخلق أعجز؟ قال : من عجز عن سياسة نفسه. قلت : أي الخلق أقوى؟ قال : من قوي على مخالفة هواه. قلت : أي الخلق أعقل؟ قال : من ترك المكوّنات وأقبل على مكوّنها.
قال : وسمعته يقول لرجل وهو يوصيه في سفر يريد أن يخرج فيه : يا أخي ، لا صحب غير الله ، فإنه الذي يكفيك المهمات ، ويشكرك على الحسنات ، ويستر عليك السيئات ، ولا يفارقك في خطوة من الخطوات.
[قال أبو عمر الدمشقي : حقيقة الخوف أن لا تخاف مع الله أحدا](٥).
قال السلمي : وسئل أبو عمر عن الزّهد فقال : أن يزهد فيما له مخافة أن يهوى ما ليس له.
[كان أبو عمر يقول](٦) في قوله عزوجل للملائكة (اسْجُدُوا لِآدَمَ)(٧) : قال : أراد به امتحانهم وأن يعريهم من شواهد أحوالهم وأفعالهم.
وقال [أبو عمر] : الخائف من يخاف من نفسه أكثر مما يخاف من الشّيطان (٨).
__________________
(١) ما بين معكوفتين زيادة للإيضاح عن مختصر ابن منظور.
(٢) زيادة عن مختصر ابن منظور.
(٣) في مختصر أبي شامة : ما.
(٤) استدركت على هامش مختصر أبي شامة.
(٥) ما بين معكوفتين عن مختصر ابن منظور.
(٦) في مختصر أبي شامة : قال ، وما بين معكوفتين استدرك عن مختصر ابن منظور.
(٧) سورة البقرة ، الآية : ٣٤.
(٨) رواه أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية ص ١٢٦.