جانب القصبة ، ويتابع الآخر سيره في الوادي وسط مزارع الأشجار القريبة من المدينة القديمة حتى يدخلها من الطرف الجنوبي. ويمر الذراع الذي يخترق القصبة من مدرسة الملك أبي عنان. وقد بنى يعقوب بن عبد الحق (٢٢٣) وهو أول ملك من بني مرين هذه المدينة (٢٢٤) ولكن ملك تلمسان (٢٢٥) تسبب له في الكثير من المشاكل ، سواء بسبب دعمه الشديد لملوك مراكش أو بسبب حرصه على أن يحول دون تعاظم قوة المرينيين. وعندما فرغ يعقوب من حرب مراكش راودته رغبة الانتقام من ملك تلمسان ، فقرر شن حرب عليه ووجد أن مواقع قلاع مملكته نائية جدا عن تلمسبان. وهكذا قرر بناء هذه المدينة الجديدة ، ورأى أن ينقل إليها مقر الحكومة الملكية ، التي كانت حينئذ في مراكش. وقد تم له ذلك ، وأطلق على المدينة اسم المدينة البيضاء. ولكن الشعب سماها منذ ذلك الحين فاس الجديد.
وقد عمل الملك على تقسيم هذه المدينة ثلاثة أقسام منفصل بعضها عن بعض. فالأول للقصور المخصصة للملك وأبنائه وإخوته. ورغب يعقوب أن يكون لهذه القصور حدائقها. وشيد بجوار قصره جامعا غاية في الجمال ، كثير الزينة ، ذا هندسة عجيبة. وشيد في الجزء الثاني من المدينة زرائب كبيرة للخيل التي يستخدمها في ركوبه وعدة قصور لقواده ولأكثر شخصيات بلاطه تميزا. واختط سوق المدينة ونظمه بين الباب الغربي والباب الذي يطل على الشرق. ويبلغ طول هذا النهج نصف ميل. وهنا تقع دكاكين الباعة والحرفيين من كل صنف. وبنى رواقا كبيرا بجوار الباب الغربي عند السور الثاني مع عدة حجرات صغيرة يجلس فيها حارس المدينة مع جنوده ومستخدميه. أما القسم الثالث فكان مخصصا لسكنى الحرس الملكي الخاص ، الذي كان يتألف حينذاك من بعض المشارقة (٢٢٦) المسلحين بالقسي ، لأن استعمال راشقة السهام لم يكن حينئذ قد شاع في البلاد. وكان هؤلاء يتقاضون مرتبا عاليا من الملك. ويوجد الآن فوق هذا المكان بضعة جوامع مع حمامات جميلة جدا ، كلف بناؤها نفقات كبيرة.
وتقوم بجوار القصر الملكي دار سك العملة التي تدعى السكّة. وتتألف من بناية
__________________
(٢٢٣) أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق.
(٢٢٤) كانت حفلة وضع الأساس في ضحى الأحد ٢٣ آذار (مارس) ١٢٧٦ م.
(٢٢٥) وهو يغمو راسن بن زيان.
(٢٢٦) من الأتراك ، وكانوا يسمون الغز.