سرد هذه الحكاية لأبرهن لكم أن في افريقيا ايضا يوجد وجهاء وأمراء كلهم أنس ودماثة من أشباه أمير ذلك الجبل.
جبل تنزيته
تنزيته جبل يشكل جزءا من سلسلة الأطلس. فيبدأ غربا من تخوم الجبل السابق ويمتد نحو الشرق حتى جبل دادس (٣٠٠). وهو جبل مأهول بالسكان بكثرة. ويضم خمسين قصرا (٣٠١). وكلها مسورة بجدران من الطين ومن الطوب النيىء ، ومطرها نادر نظرا لوقوعها في الجنوب. وكل هذه القصور قائمة على طول نهر الدرعة ، ولكن على مسافة متباينة عنه ، فبعضها يبعد مقدار أربعة أميال وبعضها الآخر ثلاثة أميال. وكل المنطقة تحت قيادة أمير كبير (٣٠٢) ، تحت تصرفه زهاء ألف وخمسمائة فارس ومثلهم من المشاة كالأمير الذي تكلمنا عنه قبل قليل (٣٠٣). وبين هذين الأميرين صلة قرابة ولكنهما عدوان لدودان كل منهما للآخر ويحتربان باستمرار. وينمو النخيل في أكبر قسم من هذا الجبل. وسكانه فلاحون أو تجار. وينبت الشعير بغزارة كبيرة في هذه المنطقة ، ولكن ندرة القمح واللحم فيه شديدة نظرا لقلة الماشية. ويجبي الأمير من جبله عشرين الفا من الدنانير الذهبية كل عام ، ولكن دنانير هذه المنطقة تزن ثلثي الدنانير الايطالية ، أو أثنى عشر قيراطا (٣٠٤). وهذا الأمير صديق حميم لملك فاس ، ويرسل له دوما هدايا هامة (٣٠٥) ، ويرد عليه ملك فاس تحياته بمثلها وأحسن منها فيرسل له خيولا حسنة التجهيز ، وأقمشة
__________________
(٣٠٠) تنزيته الحالية كورة صغيرة شمالي زاغوره ، ويقصد المؤلف بهذا الاسم كل الجزء المأهول من المجرى الأعلى لوادي الدرعة ، الذي ليس له أية علاقة بجبال دادس الواقعة الى الشمال من ذلك. وهذا الجبل هو المقسوم آنئذ بين قيادتين ، قيادة الشمال حتى زاوية تنزيته الحالية ، القريبة من مركز زاغوره الحديث ، والتي كانت مرتبطة حينذاك نظريا بمراكش ، وقيادة الجنوب أي الدرعة بكل ما في الكلمة من معنى.
(٣٠١) أي قرى صغيرة مخصنة ، عديدة الطوابق.
(٣٠٢) كان يحمل لقبا بربريا هو مزوار.
(٣٠٣) وهو أمير تينواواز.
(٣٠٤) لما كان القيراط عبارة عن واحد من مائة وأربعة وأربعين من الأونسة ، ولما كانت الأونسة المغربية هي نفس الأونسة الايطالية ، ولما كان القيراط يزن ١٩٦ ، من الجرام ، فمعنى ذلك أن الدينار أو مثقال تنزيته ، المؤلف من ١٢ قيراطا كان يزيد ٣٥ ، ٢ جرام ، ويعادل نصف الدينار أو المثقال الموحدي المؤلف من ٢٤ قيراطا ، والذي كان دارجا في دكالة وهسكورة وربما أيضا في مراكش.
(٣٠٥) كانت تقدم هذه الهدايا للملك بمناسبة العيدين تعبيرا عن التبعية وتحمل اسم «الهدية».