درس المساء. ولجميعهم مرتبات ممتازة أوصى بها مؤسس المعهد. وكان كل طالب ، في الماضي ، من طلاب هذه المدارس معفى من مصروفاته وكسائه خلال سبعة أعوام. أما الآن فليس له سوى السكن ، إذ قضي على الكثير من الأملاك والبساتين في خلال حروب سعيد والتي كانت عائداتها مخصصة لهذا الاستعمال. ولم يبق حاليا سوى دخل بسيط أمكن معه تسديد معاش الأساتذة الذين يتقاضى بعضهم مائتي دينار والبعض مائة وآخرون دون ذلك. ولربما كان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى تدهور قيمة فاس الثقافية ، وكذلك كل مدن افريقيا.
ولا يقيم في هذه المعاهد سوى بعض التلامذة الغرباء عن المدينة ، والذين يتحقق معاشهم بفضل صدقات أهل فاس والمناطق المجاورة. وإذا تم قبول طالب من فاس فإنه لن يجد له رفيقا من مواطنيه. وعندما يريد أستاذ إلقاء درسه يقوم تلميذ في البدء بقراءة النص ، ثم يشرحه الأستاذ ويضيف إليه بعض آرائه ويشير للصعوبات المعترضة ، وأحيانا يتناقش التلاميذ فيما بينهم بحضور الأستاذ حسب موضوع الدرس.
المارستانات والحمّامات الموجودة في فاس
تحوي مدينة فاس بضعة مارستانات لا تقل جمالا عن المعاهد التي سبق ذكرها. وكان من عادة الغرباء في الماضي أن يجدوا فيها المأوى لمدة ثلاثة أيام. ويوجد كذلك عدة مارستانات في خارج الأبواب ، لا تقل بهاء عن تلك التي تقع في داخل المدينة. وقد كانت هذه المارستانات فيما مضى غنية جدا ، ولكن في زمن حرب سعيد ، نصح بعضهم الملك ببيع أوقافها وأملاكها لما أصبح بحاجة ماسة للمال. ولما رفض السكان قبول ذلك تقدم أحد نواب الملك وأفهمه أن هذه المارستانات كانت قد تأسست بفضل الصدقات التي كانت تمنح من أسلاف الملك الحالي ، ونظرا لتعرض الملك لخطر ضياع مملكته ، فمن الواجب بيع الأملاك العقارية لصدّ العدو ؛ وبمجرد انتهاء الحرب يمكن شراؤها بسهولة من جديد ، ولكن الملك توفي قبل أن يتمكن من شراء أي عقار جديد. وهكذا ظلت المارستانات محرومة تقريبا من أية وسائل مادية. ومع ذلك تمنح فيها الضيافة لبعض الأشراف الفقراء ، ولبعض العلماء الغرباء ، وهذا للحفاظ على الغرف بحالة حسنة. أما بالنسبة للمرضى الغرباء فليس لديهم في أيامنا أكثر من مارستان واحد. ولا تقدم لهم العناية اللازمة ولا الأطباء. وليس للمريض البائس سوى غرفته وطعامه وبعض الخدم