يعطي بياض هذه الأقمشة فوق خضرة المرج منظرا بهيجا للعين. ويبدو ماء النهر الشديد الصفاء من بعيد بلون أزرق سماوي أو لازوردي. وهذا ما أثار قريحة بعض الشعراء الذين نظموا حول هذا الموضوع قصائد تتميز بأبيات أنيقة جدا (٢١٦).
مقابر خارج المدينة
يوجد في فاس بضعة عرصات لدفن الموتى ، وقد وهبت هذه الأراضي لوجه الله من قبل الشرفاء لاستخدامها مقابر. ويوضع فوق جسم المتوفي ، أو بالأحرى فوق المكان الذي يرقد فيه ، قطعة حجر طويلة رقيقة ذات ظهر مثلث الشكل. وأما بالنسبة للنبلاء أو ذوي الشهرة فتقضي العادة أن توضع لوحة من الرخام عند الرأس وأخرى فوق القدمين.
وتنقش فوق هذه الصفائح أشعار تعبر عن العزاء لوفاة هذا العظيم ، وما تركته هذه الوفاة في النفوس من مرارة وأحزان. ويذكر تحت ذلك اسم المتوفي واسم آبائه وكذلك يوم الوفاة وسنته. وقد عنيت كثيرا بجمع كل كتابات الشواهد التي رأيتها ، وهذا ليس في فاس وحدها ، بل في سائر مدن بلاد البربر ، وجمعتها في مجلد صغير قدمته هدية لشقيق الملك الذي يحكم حاليا على إثر موت والده ، الملك الهرم (٢١٧). ومن بين هذه الأبيات ما يعمل على استنهاض عزيمة الناس وتعزيتهم على حزنهم ، في حين أن بعضها الآخر يزيد في كآبتهم وحسرتهم ، ولكن يجب أن يتذرع الإنسان بالصبر في تحمل هذه وتلك.
أضرحة الملوك
يشاهد في خارج فاس أيضا ، باتجاه الشمال ، قصر فوق تل مرتفع ، وهناك توجد أضرحة بعض الملوك المرينيين. وهي قبور فخمة الزينة ، كتاباتها منقوشة فوق المرمر ومنمقة بألوان زاهية ، تفيض نفوس المتأملين فيها بالإعجاب والتقدير (٢١٨).
__________________
(٢١٦) لقد تلاشت صناعة القصارين فوق المرج ، كما فقد وادي فاس رونقه السماوي اللون.
(٢١٧) هو محمد الشيخ الذي توفي سنة ١٥٠٤ م عند ما كان عمر المؤلف ستة عشر عاما.
(٢١٨) لم يبق شيء من قبور المرينيين سوى أطلال مهدمة فوق مرتفع كان يدعى حينئذ الكلة ، أي قمة التل