أن تنزل قواتها ونشبت معركة لا هوادة فيها خلال ثلاثة أيام. وقد انكسر النصارى ، فقتل معظمهم ، وتم أسر الآخرين الذين أصبحوا عبيد بربروس ، ولم ينج من هذا الجيش إلا عدد قليل. وقد حدث هذا عام ٩٢٢ للهجرة (١٢٣).
تغدمت
هذه مدينة قديمة جدا تأسست ، حسب قول بعضهم ، في عهد الرومان. وقد أطلق عليها الأفارقة هذا الاسم ، لأن هذه الكلمة تعني عتيقة. وطول محيطها عشرة أميال (١٢٤) ، كما يلاحظ ذلك من أساسات جدار السور عند متابعتها. ولا تزال تظهر فيها آثار معبدين كبيرين حيث كانت تعبد الأوثان. وفي الوقت الذي آلت فيه لحكم المسلمين غدت مدينة متحضرة جدا ، آمنة ، وكان فيها عدد كبير من العلماء والشعراء. وقد تولى إمارتها أخ لوالد إدريس الثاني مؤسس فاس. وظلت الإمارة في أسرته قرابة مائة وخمسين سنة. ثم خربت تغدمت بسبب الحرب التي شنها خليفة القيروان الشيعي عام ٣٦٥ للهجرة (١٢٥). ولا يرى فيها الآن سوى بقايا أساساتها ، كما لاحظت ذلك بنفسي (١٢٦).
__________________
(١٢٣) حدثت أولى هاتين الحملتين بتحريض الكاردينال كسيمينس في أيلول (سبتمبر) ١٥١٦ م / شعبان ٩٢٢ ه. فقد أنزلت ثمانون سفينة قواتها أمام مدينة الجزائر ، وكانت هذه القوات بقيادة دييغو ديفيرا ، ولكن مكائد عروج بربروس الخربية قهرت البسالة الأسبانية ، وهبت عاصفة أغرقت الاسطول برمته تقريبا ، بحيث سقط ٣٠٠٠ قتيل منهم ، وسقط ٤٠٠ منهم أسرى ، وانتهت المحاولة الثانية بهزيمة اشنع أيضا. ففي ١٧ آب (أغسطس) ١٥١٨ م قدمت مجموعة من سفن نقل مخفورة بثمانية وثلاثين سفينة حربية وأنزلت قوات عظيمة العدد بقيادة دون أوغو دومنكادا ، نائب الملك في صقلية. ولكن هذا تردد في مهاجمة خير الدين بربروس الذي خلف أخاه عروج ، الذي قتل في شهر أيار السابق ، وكان قد أجاد تجهيز دفاعه. وحدت الهجوم في ٢٥ آب (أغسطس) الموافق ١٨ شعبان ٩٢٤ ه ، وفي أثناء نشوب معركة شرسة مستمرة ، هبت عاصفة رهيبة ، ثارت فجأة وبعثرت الاسطول وقضت على ست وعشرين سفينة. وخسر الأسبان أربعة آلاف قتيل وثلاثة آلاف أسير.
(١٢٤) أي ١٦ كم.
(١٢٥) أو ٩٧٥ ـ ٩٧٦ م.
(١٢٦) تتألف تغدمت من أطلال تقع على مسافة ٤ كم غرب تيارت. ولهذا الاسم بالبربرية فعلا معنى قديمة ، ولكن له أيضا ، مع نطق يختلف قليلا حسب اللهجات ، معنى طبل صغير مربع الشكل ، ولهذا مدلوله أيضا ، لأن المدينة سبق لها أن شغلت تلّا بشكل هضبة ولا يزال يرى في نهايتها الغربية القصوى بقايا أسوار قصر رباعي الأضلاع. ولا تزال أنقاضه تتناثر فوق المنحدر الجنوبي لهذا التل فوق رقعة يبلغ إطارها ثلاثة كيلومترات تقريبا ، ولم نشاهد هنا أي أثر يظهر أنه روماني. وكانت المدينة الرومانية تدعى ، كما يعتقد ، تنغورتيا. تحرفت بلا شك على لسان العرب إلى شكل تيهارت أو ـ