غير (٢٠). وتقوم على هذا النهر عدة بساتين والكثير من الكروم ، ولكنها اليوم خاوية مهجورة. وذلك أنه عندما تخربت أنفة غادر أهل المنصورة فورا مدينتهم أيضا ، وهربوا إلى الرباط خشية البرتغاليين وتركوا مدينتهم فارغة. ولا تزال الجدران فيها سليمة ، ما عدا بعض النقاط التي خربها عرب تامسنه. وقد مررت بهذه المدينة وانتابني الحزن عليها. ويمكن إعادة اعمارها بسهولة ، فليس هناك سوى تشييد البيوت. ولكن تلك الحيوانات الرديئة ، وهم عرب تامسنه ، لا يريدون أن تعود المنصورة مأهولة ما داموا أشرارا وطغاة (٢١).
مدينة نخيلة
نخيلة (٢٢) بلدة صغيرة مبنية وسط تامسنة. وقد كانت في الماضي آهلة جدا بالسكان في أيام المارقين (٢٣) ، ويقوم فيها سوق مرة في كل عام يسعى إليه كل سكان تامسنة. وكان السكان أغنياء لأن أراضي منطقتهم كانت واسعة جدا : فكانت تضم خمسين ميلا (٢٤) من كل جانب في السهل. وتذكر كتب التاريخ أنه في عهد المارقين بلغت وفرة القمح درجة جعلت الناس يقايضون حمل بعير منه مقابل زوج من الأحذية. وقد تخربت هذه المدينة
__________________
(٢٠) لا يمكن أن يكون موقع المنصورة مطابقا لموقع قصبة منصورية الحالية القريب من البحر ، عند مصب واد تامده. أي هذه البلدة يجب أن تكون أبعد من ذلك في داخل الأرض قرب واد نفيفيخ الذي لا زال يحمل حتى اليوم في مجراه الأعلى اسم دير ، وربما كان ذلك تحريفا محتملا لكلمة غير.
(٢١) المقصود بالعرب هنا الأعراب كما هو الحال في سائر نصوص هذا الكتاب وفي مقدمة ابن خلدون. والواقع لا تزال الزراعة في العالم العربي تعاني الكثير من جور البدو وأنصاف البدو من أهل الشاة حتى عهد قريب جدا ، وحتى الآن ، في كثير من الأماكن المتطرفة ، وهم المسئولون إلى حد كبير عن المنظر الكالح الذي يسود معظم أريافنا وندرة الشجر فيها ، فقد كانوا يشتركون مع الجراد والماعز في القضاء على الأشجار المثمرة ولا سيما الغراس الصغيرة منها ، وهذا ما حدا ببعض أعداء الأمة العربية إلى التشهير بالعرب في عشرات المؤلفات والمجلات كقول أول مندوب سام على فلسطين ، وهو يهودي بريطاني اسمه هربرت صموئيل : أخطأ من قال إن العرب أبناء الصحراء بل هم آباؤها ، وتستغل الدعاية الصهيونية إلى أقصى حد منظر البوار الذي كان سائدا في فلسطين إلى حد ما عند بدء هجرتهم والمناظر الخضراء التي تظهر على أيديهم بعد اقامة المستعمرات الزراعية وبذلك استدزوا عطف شطر كبير من دول العالم. وقد صرح في أوائل الخمسينات أول وزير خارجية الإسرائيل وهو : موشى شرتوك ، أو شاريت قائلا : لدى العرب ثلاثة ارباع صحاري العالم فلا هم يستفيدون منها ولا يسمحون لأحد بأن يستفيد منها ، وقال رئيس وزرائهم بن جوريون عن فلسطين : أرض بلا شعب لشعب بلا أرض (المترجم).
(٢٢) لا تزال مدينة نخيلة معروفة على مسافة ١٨ كم جنوب فضالة.
(٢٣) أي أهل برغواطة السابق ذكرها.
(٢٤) ٨٠ كم.