العرب الذين يسكنون مدن إفريقيا
لقد جلب الجيش الذي بعثه الخليفة الثالث عثمان ، في عام ٢٤ للهجرة ، الى افريقيا جالية كبيرة من العرب يبلغ عددها حوالي ثمانين ألفا من العشائر العريقة ومن غيرها (٧٥).
وعند ما أتموا فتح بضع مناطق عادت كل الشخصيات الكبرى والنبلاء الى جزيرة العرب. ولم يبق محليا مع الآخرين سوى القائد العام للجيش ، الذي يدعى عقبة بن نافع. وقد سبق لهذا ان اختط مدينة القيروان وأقام فيها تحصيناته. وقد ظل بالفعل متوجسا من أن يخونه سكان الساحل وأن يتلقوا بعض الدعم من جزيرة صقلية وتصل اليهم نجدات قد تشن عليه الحرب. وهكذا انسحب باتجاه الصحراء ، في داخل الأراضي ، مع كل الغنائم التي غنمها وأسس مدينة القيروان على مسافة ١٢٠ ميلا تقريبا (٧٦) من قرطاج. وأعطى الأمر لزعماء الجيش والمدنيين الذين ظلوا معه بأن يقيموا في أكثر المناطق مناعة وأكثرها مواءمة للدفاع وأن يشيدوا فيها قلاعا وحصونا لم يكن لها نظائر من قبل ، وقد تم تشييد كثير من هذه القلاع والحصون (٧٧).
__________________
(٧٥) لا تزال نفتقر لمعلومات دقيقة عن الفتح الاسلامي لإفريقيا. ومع هذا يبدو من المسلم به أن الجيش الذي أرسله الخليفة عثمان الى أفريقيا عام ٢٤ ه ٦٤٨ م ، لم يكن يضم سوى ... ، ٢٠ رجلا. وقد سبق أن قام القائد العربي عمرو بن العاص في عام ٢١ ه مطلع عام ٦٤٢ م في أعقاب فتح مصر ، بغارة ناجحة على برقة ، وبعدئذ ، بعد عام واحد او عامين ، أغار على منطقة طرابلس البيزنطية ، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب لم يوافقه على التوغل إلى أبعد من ذلك ، لأن المحاولة كانت خطيرة للغاية. وفي عام ٦٤٦ م ، وعلى أثر اضطربات سياسية انتابت الحكومة الامبراطورية في القسطنطينية ، أعلن حاكم أفريقيا البيزنطي ، وهو جريجوار ، استقلاله واتخذ لقب باسيلوس ، وحكم المنطقة الممتدة من طرابلس الى طنجة متخذا مدينة سبيطلة التونسية عاصمة له. وقد أرسل الخليفة عثمان حملة عسكرية ضد هذا الحاكم ، ونشبت معركة في صيف ٦٤٨ م انتهت بهزيمة الجيش البيزنطي ومقتل جريجوار ، وهي معركة كان لها صدى بعيد في عالم النصرانية. وظلت الجيوش الاسلامية مدة خمسة عشر شهر في هذه البلاد ثم عادت الى المشرق حاملة معها غنائم ضخمة. ويبدو أن المسلمين لم يتركوا محليا سوى مندوب دبلوماسي. واسترد البيزنطيون حكم أفريقيا. ولم يستأنف الخليفة معاوية اهتمامه بأفريقيا الا في عام ٦٦٥ م وأرسل جيشا قوامه ١٠٠٠٠ رجل بقيادة معاوية بن حديج. وقد ظل هذا مدة خمس سنوات عند سفوح المنطقة الجبلية في افريقيا دون ان يقوم ، كما يبدو ، بأكثر من غزوات قاذت لانتصارات محدودة محلية. وأخيرا في عام ٥٠ ه ٦٧ م جل محل هذا القائد قائد جديد هو عقبة بن نافع ، الوجه اللامع في حروب افريقيا ، مع دعم عسكري قوامه ١٠٠٠٠ جندي.
(٧٦) تقع مدينة القيروان على مسافة ١٩٢ كم من تونس.
(٧٧) الحقيقة هي أن سلفه معاوية بن حديج قد جعل قاعدة عملياته العسكرية عند وصوله عام ٦٦٥ م ، اي قيروانه ، كما كان يقال حينئذ ، عند حضيض جبل وسلات ، ولكن عمد عقبة ، على أثر وصوله ، الى نقل هذا المعسكر وأقامه على مسافة ضعة كيلومترات الى الشرق من ذلك ، فى السهل الرملي حيث لا تزال تقوم القيروان الحالية ، وذلك لكي يكون في منأى عن ـ