تحيط بساحة مربعة ، وهي مقسمة إلى عدة حجيرات يعمل فيها العمال المعلمون. ويوجد في وسط الباحة مكتب يشغله مدير السكة مع محاسبيه وكتبته ، لأن السكة في فاس ، كما هو الشأن في غيرها ، مؤسسة تعمل لحساب الملك ويختص هو بعوائدها.
وإلى القرب من السكة يقع السوق الذي توجد فيه دكاكين الصاغة. وأمين هؤلاء الصاغة هو الشخص الذي يحتفظ بمنقش المعادن وبالقوالب النقدية (الدمغة). فلا يمكن صنع أي خاتم ولا أي شيء من فضة أو من ذهب في فاس ، إذا لم يكن المعدن منقوشا بيده (مدموغا) ، والذي يحاول بيع شيء لا يحمل نقشا يتعرض لخسارة كبيرة. ولكن كل شيء منقوش يباع بالسعر العادي ويمكن استعماله للتسديد مثل النقد. ومعظم الصاغة من اليهود الذين ينجزون أشغالهم في فاس الجديد ثم يحملونها إلى المدينة القديمة لبيعها. وقد اختصوا بسوق قرب سوق العطارين. ولا يمكن صياغة الذهب ولا الفضة في المدينة القديمة ، ولا يمكن لأي مسلم أن يمارس مهنة الصائغ ، إذ ينظر إلى الذي يبيع الأشياء الذهبية أو الفضية بسعر اعلى من الذي يساويه وزنها على أنه ربا. ولكن الملك يعطي اليهود الترخيص بممارسة صناعتها. ومع هذا يوجد في المدينة القديمة بعض الصاغة الذين يصنعون الحلى لأهل المدينة فقط ، ولكنهم لا يربحون سوى أجر يدهم.
ويشغل اليهود في أيامنا جزءا من المدينة كان يسكنه في الماضي الحرس الرماحة (٢٢٧). وكانوا يسكنون في المدينة القديمة سابقا. ولكن كان المسلمون ينهبون ممتلكاتهم في كل مرة يموت فيها ملك ، مما حدا بالملك أبي سعيد (٢٢٨) لأن يجليهم عن المدينة القديمة إلى المدينة الجديدة مع مضاعفة الجزية. وهناك يقيمون اليوم (٢٢٩) ، وهم يشغلون شارعا طويلا جدا وعريضا للغاية حيث تقع فيه دكاكينهم وكنائسهم.
وقد تزايد السكان اليهود تزايدا كبيرا حتى لم يعد من الممكن معرفة عددهم ، وخصوصا بعد إجلاء اليهود عن الأندلس على يد ملوك أسبانيا (٢٣٠). وهم محتقرون من كل الناس. ولا يحق لأي منهم أن ينتعل أحذية ، فهم لا يلبسون سوى نعال من القش
__________________
(٢٢٧) وربما كان هؤلاء من النصارى وليسوا من الغز الأتراك.
(٢٢٨) أبو سعيد عثمان الذي حكم بين ١٣٩٨ ، ١٤٢١ م.
(٢٢٩) أطلق على هذا الحي اليهودي اسم ملاح. والذي كان هو الحي الذي قدموا ليسكنوه ، ثم تعمم هذا الاسم فيما بعد على كل أحياء اليهود
(٢٣٠) في عام ١٤٩٣ م أي بعد عام واحد من سقوط غرناطة.