بعدئذ بدون ملك لمدة ثمانية أعوام ، أمكن في نهايتها التعرف على ولد صغير لابي سعيد ، مولود من نصرانية هربت إلى تونس وقت المذبحة. وكان اسم هذا الولد عبد الحق ، وهو آخر ملك من أسرة المرينيين. وقد قتل هو أيضا على يد الشعب ، كما أوردنا ذلك سابقا (٣٦٤).
تطوان
تطوان مدينة صغيرة بناها قدامى الأفارقة على مسافة ثمانية عشر ميلا تقريبا (٣٦٥) من المضيق (٣٦٦) وعلى مسافة ستة أميال من المحيط. وقد احتلها المسلمون على اثر انتزاع سبتة من القوط. ويقال أنه عند ما أصبح هؤلاء ، أي القوط ، سادة المدينة عهدوا بقيادتها لزعيمة عوراء كانت تأتي كل أسبوع إلى المدينة لاستلام عوائدها. ولما كانت ذات عين واحدة فقد سمّوا مدينتهم تيتاوين ، ومعناها العين الواحدة في اللسان الافريقي (٣٦٧).
وقبل فترة من الزمن هاجم البرتغاليون هذه المدينة واستولوا عليها (٣٦٨) ، وظلت قرابة ثمانين عاما خاوية إلى أن وفد عليها قائد غرناطي أعاد بناءها. وكان هذا القائد قد قدم إلى فاس من غرناطة بصحبة ملكها بعد أن سقطت بيد فرناندو ملك أسبانيا. وكان هذا القائد محاربا باسلا قام بأعمال بطولية خلال حروب غرناطة. وكان يسميه البرتغاليون المندري (٣٦٩). وقد حصل على الترخيص بترميم المدينة والتمتع بحكمها. فأعاد بناء كل
__________________
(٣٦٤) لا نزال نجهل تاريخ تنصيب عبد الحق. والواقع هو أن سلاطين غرناطة وتلمسان وتونس راحوا يدعمون بعض الطامعين المرينيين ، بعد موت أبي سعيد عثمان ، وكان هؤلاء يتنازعون على الحكم فاقتسموا البلاد التي تخربت بتأثير هذه الاضطرابات. وعلى أثر ذلك تدخل حاكم سلا النشيط ، وهو أبو زكريا يحيى الوطّاسي ، الذي كان يتمتع بتأييد سلطان تونس على الأرجح ، ونادى بعبد الحق سلطانا ، (وعبد الحق هذا ولد عام ١٤٢٠ م). وظل أبو زكريا وزيرا وملكا فعليا حتى وفاته عام ١٤٤٨ م. وقد اغتيل عبد الحق على اثر فتنة خطيرة في فاس بتاريخ ٢٣ أيار (مايور) ١٤٦٥ م بعد ثلاثين عاما من الحكم كانت هادئة نسبيا ومزدهرة.
(٣٦٥) ٢٩ كم.
(٣٦٦) والصحيح ١٠ كم من البحر المتوسط وليس من المحيط.
(٣٦٧) إن كلمة تتاوين هي ، على العكس ، جمع كلمة تيت وهي مشترك لفظي يطلق على العين الباصرة وعلى الينبوع. وهذا هو المعنى الحقيقي. وتحولت باللغة الأسبانية إلى تتوان.
(٣٦٨) وقع هذا الحادث سنة ١٣٩٩ او ١٤٠٠ م ولكن القشتاليين من اتباع الملك هنري الثالث هم الذين احتلوا المدينة.
(٣٦٩) لا يبدو أن أبا الحسن علي المندري قد وفد إلى فاس عام ١٤٩٢ مع الملك المخلوع أبي عبد الله محمد بعد سقوط عاصمته غرناطة. والصحيح أنه نزل في وادي مارتيل قرب تطوان مع جمع من اللاجئين الغرناطيين عام ١٤٨٧ م.