«المدينة» : بلدة من هسكورة
«المدينة» هي بلدة فوق سفوح جبال الأطلس وقد شيّدها أهل هسكورة. وتضم حوالي ألفي أسرة. وتقع على مسافة تقارب سبعين ميلا (٢٧٨) شرقي مراكش ، وعلى مسافة مائة وستين ميلا من مدينة دكّالة (٢٧٩). وتضم هذه «المدينة» عددا كبيرا من الدبّاغين ومن السرّاجين ومن الحرفيين الآخرين. كما أن فيها الكثير من اليهود ، بعضهم تجار والبعض الآخر صناع. وتقع في وسط إطار بديع يتألف من أشجار الزيتون وكروم العنب وأشجار الجوز اليانعات. وسكانها منقسمون الى بضعة أحزاب وتقع شجارات مستمرة فيما بينهم في داخل المدينة ومنهم وبين غيرهم في خارجها وذلك بسبب عداوتهم لأهل مدينة تقع على مسافة أربعة أميال منها (٢٨٠). ولا يستطيع أحد أن يتجول في الأرياف كي يذهب الى حقله. باستثناء النساء والعبيد. وإذا أراد تاجر غريب أن يذهب من مدينة إلى أخرى فيجب أن يكون مصحوبا بعدد كبير من الحراس. ولهذا يستأجر كل واحد منهم نبّالا أو رامي بندقية بأجر شهري يتراوح بين عشرة أو اثني عشر دينارا من العملة المحلية والتي تساوي ستة عشر دينارا إيطاليا (٢٨١). ونجد في هذه المدينة بعض الرجال المتصرفين الى علوم الشريعة. ومن بين هؤلاء يختار القضاة والفقهاء. وتعود الرسوم المستوفاة من الغرباء لبعض الرؤساء الذين ينفقونها في حاجات الجماعة. ويدفعون للعرب نوعا من ضريبة عن العقارات التي يملكونها في السهل ، ولكنهم يربحون من هؤلاء العرب أكثر من عشرة أضعاف ذلك. ولدى عودتي من مراكش قصدت هذه المدينة وبتّ في بيت رجل غرناطي غني جدا يعمل هناك في صنع راشقات السهام منذ زهاء ثمانية عشر عاما. وكنا تسعة أشخاص عدا الخدم. وقد تحمل نفقتنا عن طيب خاطر وقدم لنا كل شيء حتى سفرنا الذي كان في اليوم الثالث. وأراد الاهالي ان يكون مبيتنا في المضافة العامة المخصصة لكل الغرباء. ولكنه لم يستطع تحمل رؤيتنا تنزل في مكان غير بيته لأنني كنت
__________________
(٢٧٨) ١١٢ كم.
(٢٧٩) أي ٢٥٦ كم. والحقيقة مائة وثلاثون ميلا.
(٢٨٠) وهي بلدة أليمدين الواقعة على مسافة ٤ ، ٦ كم.
(٢٨١) تفتقر هذه الجملة للدقة ، ويجب ان نعرف ان ستة عشر دينارا إيطاليا يعادل اثني عشر مثقالا في هسكورة ، أي ان المثقال يعادل ٧ ، ٤ جرامات من الذهب ، والمثقال الموحدي له وزن نظري مقداره ٧ ، ٤ جرامات. ويبدو ان هذا الاجر مرتفع جدا بالنسبة لذلك العصر.