الآخرين ، كما كتبنا ذلك في «تاريخ أفريقيا الحديث» (١٩).
هاد كيّس. مدينة من حاحه
هادكّيس (٢٠) مدينة تقع في السهل ، على مسافة ثمانية أميال جنوبي تاكوليت (٢١). وفيها حوالي سبعمائة أسرة. ويتكون جدار سورها من قوالب الطوب النيء. وكذلك جامعها وكل بيوتها تقريبا. ويمر من داخل المدينة نهير قليل الأهمية تقع على ضفتيه أشجار كرة عديدة مع تكعيبات بديعة جدا تمتد عليها هذه الأشجار. وفي مدينة هادكّيس عدد كبير من الصنّاع اليهود. ومن عادة السكان أن يتأنقوا كل التأنق في لباسهم. ولديهم خيول حسان وذلك لأنهم يزاولون التجارة ويتجولون في المناطق المجاورة. وتضرب المدينة عملتها الفضية. وتقيم سوقا موسميا كل عام ، يقصده أهل الجبال المجاورة ، (ومنظر هؤلاء أدنى إلى الحيوانات منه إلى الأناسيّ). ونجد في هذا السوق الكثير من المواشي والسمن وزيت الهرجان ، وكذلك أدوات حديدية وأقمشة البلاد ، ويدوم هذا السوق خمسة عشر يوما.
ونرى بين هؤلاء السكان نساء غاية في الجمال ، بيضاوات ، متوسطات السمنة ، وهن كذلك مليحات لطيفات. ولكن الرجال عنيفون وغيورون يقتلون كل من يقترب من نسائهم. ولا يوجد هنا قاض ولا مثقف يفصل بين الناس لتسوية قضاياهم المدنية ، وهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم على هواهم. أما فيما يتعلق بالمسائل الدينية فإن لهم فقهاءهم وعلماءهم المتخصصين. ولا يوجد هنا رسم أو ضريبة من أي نوع كان ، شأنهم في ذلك شأن المدن الأخرى التي تكلمنا عنها.
وقد نزلت في بيت فقيه المدينة ، وكان رجلا جلفا للغاية ، ولكنه كان يعجب كثيرا بالبلاغة العربية وعلومها. ولهذا السبب أمسك بي بالقوة تقريبا مدة شهر عنده. وتذرّع بأنه ليس من المناسب لي أن أذهب دون أن يصاحبني باسم الصداقة التي أكنّها للعرب ، لأنه كان عربيا وكذلك أسرته. وهكذا احتفظ بي استنادا لهذه الحجة إلى أن فرغت من قراءة كتاب صغير عليه في علوم البلاغة. ومن هنا عدت إلى مراكش ، وكانت هادكّيس
__________________
(١٩) هذا المؤلف الذي سيسميه فيما بعد «الوجيز في التواريخ الاسلامية» لم يصل إلينا.
(٢٠) وهي في موقع تيكجي الحالية.
(٢١) أي ١٣ كم.