ألفين سنة أو ثلاثة آلاف من تلك العشرات من الألف ما هي إلّا كنسبة المتلاصقين والمقترب ، وأما إذا اعتبر ما يزعمه أهل الكتاب من المدة وأنها ستة آلاف مثلا فلا يمكن الفهم إلّا على ضرب من التأويل الذي لا حاجة إليه لمخالفته للواقع ولتبين التحريف الثابت فيما يستند إليه أهل الكتاب الذي غرّهم فيما ذكر فلله الحمد على تنزّه شريعتنا المطهرة عن مثل الخرافات المخالفة للواقع.
وأما الطبقة الثانية من العرب : وهي العرب العاربة فهي التي من زمن سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل إبنه أبي العرب المعروفين إلى عصر البعثة ، وهاته الطبقة أخبارها معروفة إجمالا لا سيما قرونها المتأخرة بما يستنتج من أشعارها وقصائدها وأخلاقها وإن كانت تفاصيل الحوادث التاريخيّة غير محققة لا سيما القرون الأولى لها والمتوسطة لعدم وجود تواريخ محررة في أخبار هاته الأمم من العرب دوّنت قبل الإسلام ، وإنما الذي يوجد في ذلك من التآليف إنما هو بعد الإسلام عندما حدث تدوين الكتب في الأمة الإسلاميّة وذلك من القرن الثالث من الهجرة ، فيوجد في التواريخ الإسلاميّة أخبار كثيرة عن هاته الطبقة وكثير منها تلوح عليه سمات الصحة لما يؤيده من الأشعار في الوقائع وحوادثها وإتياننا على جميع ذلك في هذه الخلاصة مغاير لمقصدنا لأنه لا يكون إلّا زيادة نسخة من إحدى التواريخ المشتهرة في ذلك ، مثل تاريخ المسعودي (١) أو تاريخ ابن خلدون أو غيرهما من التواريخ الكثيرة ، وإنما الذي يليق بنا ذكره هو أن نقول : إن هاته الأمة قد انتشأت فيها دول عظيمة وممالك واسعة وكانت في أغلب الأوقات منقسمة إلى ثلاثة أقسام جنوبي وشمالي ووسط :
فأما القسم الجنوبي : فهو اليمن وحدثت فيه دول عظيمة مستقلة بنفسها في أغلب الأوقات ولكنها لم تتسلط على غيرها من الأمم إلّا نادرا ، نعم قد يتسلط عليها غيرها أحيانا فتارة تكون تابعة لملوك فارس وهو الأكثر وتارة تتبع دولة الحبش أو دولة اليونان أو الرومان أو المصريين ، وفي كل الأحوال الأغلب أن يكون حكامها منها وإن كانوا تابعين لغيرهم ممن ذكرناه ، ونشأ فيهم تمدنا جميلا كما تدل عليه الآثار التي حول المدن القديمة مثل صنعاء وغيرها ، وصار في اليمن رجال ذوي فطنة وفكر وقاد وتأهل للكمال كما يرشد إليه الحديث الشريف القائل : «الإيمان يمان والحكمة يمانية» (٢) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
__________________
(١) هو علي بن الحسين بن علي ، أبو الحسن المسعودي ، من ذرية عبد الله بن مسعود. مؤرخ بحاثة من أهل بغداد ، أقام بمصر وتوفي فيها سنة (٣٤٦ ه). الأعلام ٤ / ٢٧٧ فوات الوفيات ٢ / ٤٥ لسان الميزان ٤ / ٢٢٤ طبقات الشافعية ٢ / ٣٠٧ النجوم الزاهرة ٣ / ٣١٥ وتذكرة الحفاظ ٣ / ٧٠.
(٢) أخرجه البخاري برقم (٤٣٨٩) ومسلم في صحيحه في كتاب الإيمان برقم (٨٩ و ٩٠) والترمذي برقم (٣٩٣٥) والإمام أحمد بن حنبل في المسند ٢ / ٢٣٥ والطبراني في المعجم الصغير ١١ / ٣٢٩ والدارمي في مسنده ١ / ٣٧ والطحاوي في مشكل الآثار ١ / ٣٤٧ والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٣٩٥٧ ـ ٣٣٩٦٥).