صعيد واحد ببيت الله على سواء فيروا أحوال بعضهم ويتأنس البعض بالبعض لكي تتأكد الوصلة الروحية بالوصلة البدنية ويعمل كل بما يجب عليه في حق أخيه ، ثم أوجب على أهل المصر الواحد الاجتماع العام في يوم من الإسبوع وهو يوم الجمعة ليحصل ما أشير إليه مع جميع أهل المصر ، ثم زاد لهؤلاء يومين آخرين في كل سنة على حالة مخصوصة من إظهار الترفه لكل واحد بحسب حاله حتى يستدل غيره بهيئته على حالته ليعلم مقتضى الحال في الوصلة وذلك يومي العيد ، وكان وجه تكرير ذلك مرتين إحداهما بعد الصيام شهرا المؤثر في الخلق وفي الخلق والثانية في وسط العام على معتاد الناس لمزيد التبين فيما يقتضيه الحال للتعرف بالفراسة ، وأكد الشارع في جميع هاته الاجتماعات باجتناب المنفرات وباجتلاب المقربات كالتباعد من أكل الثوم وكالتطيب والنظافة ، ثم أوجب على كل فرد الحج مرة في العمر ورغبه فيما زاد على ذلك ليحصل ما أشرنا إليه في الحج ولا شك أن التيسير للحج لا يحصل لجميع أهل القطر كلهم في عام واحد فيحصل على الإستمرار اجتماع الأمم من كل قطر في عام فإذا حصل منهم ما أشرنا إليه دامت المواصلة بينهم ولا أقل أنها تحصل في ذلك الوقت وحده ، أما إذا عمل بمقتضى التعرف فإنها تشتد الوصلة بالمراسلات والأسفار والتجارة فضلا عما يجب أحيانا من الفزع من أمة إلى إعانة أمة أخرى وإنقاذها إذا هجم عليها العدو كما هو معلوم في وجوب القتال وجوبا عينيا على كل فرد فيما إذا هجم العدو على قسم من الأمة وعجز أو تقاعس عن دفاعه ، فإنه يجب على من جاوره أو بلغ إليه الخبر إنقاذه ، ومنه يسري إلى من وراءه وهكذا حتى يعم الوجوب المشرق والمغرب ولو على النساء والأطفال ممن يقدر على الدفاع ، وما ذاك كله إلا لتوحد المؤمنين وحفظ بيضتهم الإسلامية ، لكنا الآن نرى أن الناس غافلون عن جميع ما ذكرناه ولا يعتبرون تلك الحكمة ولا يلتفتون إليها ، ولا نرى إلا أهل كل إقليم مقتصرين على مجرد الخلطة مع بعضهم فقط بل ربما لا يخالطون ولا يتعرفون إلا بمن عرفوه في بلدهم سابقا فضلا عن التخالط مع أهالي الأقاليم الآخر كأنهم ليسوا منهم ولا هم مكلفون بالوفاء لهم بحاجاتهم ، حتى أنه ترجع الناس إلى أقطارهم من غير شعور لهم بشيء من حالة إخوانهم في الأقطار الآخر كأنهم لا مطالب لهم بشيء ، وقد كانت رجال الأمة على غير هذا وكانوا ملاحظين لما ذكرناه ، فترى من حج منهم يتعرف بأهالي الأرض وحصل بذلك اشتهار رجال الأمة في الأقطار لا سيما العلماء والصالحين ، فإنهم ينتشر ذكرهم ويطير سيطهم بما يسمع عنهم من الحجاج وإن لم يروه في حجهم ، ومن طالع التواريخ والسير والرحلات علم من ذلك كثيرا فسبحان محول الأحوال وهو الباقي لا رب سواه.
الفصل الثالث : في التعريف بالحجاز
إعلم أن الحجاز قسم من جزيرة العرب ممتد على شاطىء البحر الأحمر وحدوده الآن التي تحت تصرف الدولة العثمانية هي أنه يحده شمالا الغمير ، وغربا البحر الأحمر ، وجنوبا اليمن من قرب صنعاء ، وشرقا الحناكية وهي تبعد شرقا عن المدينة بمرحلتين في