الباب الثالث في إيطاليا
فصل في سفري إليها وما رأيته بها :
لما تكاثر بي المرض العصبي في صائفة سنة ١٢٩٢ ه ودامت معالجته على نحو ما مر ذكره في الباب الأول من المقصد وأشارت عليّ الأطباء بالسفر إلى أوروبا ، عزمت على ذلك في شوال سنة ١٢٩٢ ه الموافق إلى أواخر تنبر الأعجمي ، واستأذنت الحكومة فكتبت لي على عادة المسافرين بطاقة الجواز بالإذن في السفر من مرسى حلق الوادي ، وهي بطاقة عليها إشارة الحكومة وتكتب تارة بالفرنساوي وتارة بالعربي وذلك على حسب المكان المسافر إليه ، فإن كان بلدة أفرنجية كتبت بالفرنساوي وإن كانت إسلامية كتبت بالعربي وهذه العادة بتذاكر الجواز معمول بها في أكثر الممالك وبعض الممالك يتركونها فلا يحتاج الداخل ولا الخارج لإذن ، وركبت من المرسى المذكورة في التاسع عشر من شوّال سنة ١٢٩٢ ه وكان معي خادمان أحدهما : يتكلم باللسان الطلياني والفرنساوي والألماني والعربي ، وصاحبني في هاته الجهة العالم النحرير المتبحر في علمي المعقول والمنقول الشيخ سالم أبو حاجب ، أحد أفاضل مدرسي جامع الزيتونة حيث كان له مأمورية في إيطاليا مع وزير الإستشارة أمير الأمراء حسين في خصومة تتعلق بأحد أتباع الحكومة التونسية المسمى بنسيم شمامة الذي كان مكلفا بقبض أموال الحكومة وشراء المهمات إليها وخرج من القطر بدون تحرير للحساب معه كما مر في ترجمة الوزير مصطفى خزندار وذلك في حدود سنة ١٢٨٩ ه وبقي يتردد بين فرنسا وإيطاليا إلى أن مات في بلد ليفرنو من إيطاليا ، وطلبت الحكومة من ورثته تحرير الحساب وكاد أن يقع صلح بينهما ثم خرج الورثة كما مر ذكر ذلك في ترجمة الوزير المذكور ولذاك لزم الحكومة أن عينت أحد وزرائها وهو أمير الأمراء حسين ومعه العالم الشيخ سالم لطلب الحساب وتوقيف التركة ، فذهبا إلى هناك وباشرا النازلة وطالت المدة فرجع الشيخ المشار إليه إلى تونس لبعض مصالح ثم عاد إلى مأموريته وكان من المنة الإلهية التصاحب معه.
فركبنا باخرة البريد الطلياني المسماة بفوريا ونزلنا في الطبقة الأولى وكان كراء الواحد فيها من تونس إلى نابلي مائة وعشرين فرنكا وأما في الطبقة الثانية فثمانون فرنكا وأما في الثالثة فعشرون فرنكا لأن الأولى والثانية كلاهما يعطي الأكل والفرش بخلاف الثالثة فإنها للحمل فقط مع الإختلاف في المكان والفرش والأكل فكل بحسبه ، فأقلعنا من المرسى يوم