الفصل الرابع : في إجمال تاريخ إنكلاتير
مطلب في تاريخها القديم
لا يخفى أن سائر أوروبا كانت في الأعصر السالفة على جانب عظيم من التوحش فلذلك كانت تواريخها القديمة عقيمة مجهولة ومن ذلك تاريخ انكلاتيره أيضا ، وغاية ما يعلم من أحوالها أن قوما من الكنيين أي قدماء الفرنسيس الذين مقرهم في فرنسا بين نهر السين ونهر غارون عبروا إلى أراضي انكلاتيره بقصد توسيع التجارة فلم يجدوا لهم ممانعا واستوطنوا هناك ، ثم لحق بهم فرقة من أهل البلجيك وبقوا جميعا على التوحش التام وحكمهم بأيدي رؤساء القبائل بل العائلات حتى أن غير هؤلاء هم كالعبيد بأيديهم ، وبينهم كهان لهم سلطة على الجميع بما يتعلمونه خفية من علم السيمياء والطبيعيات ليوهموا العامة بخرق العادة لهم حتى اعتبروهم كالآلهة ، وكانوا جميعا يعبدون الأصنام حتى أنهم يقربون إليها دماء الإنسان بالتضحية لها ، وفي سنة ٥٥ قبل التاريخ المسيحي عبر إلى إنكلاتيره يوليوس قيصر بجيوش الرومان فلم يتمكن منها لمعارضة الأهالي مع هيجان عظيم في البحر ثم عاد إليها ثانيا واستملك منها بعض الجهات لكنها لم يستقر حالها أيضا ، وفي سنة ٤٣ بعد التاريخ المسيحي أعاد الرومان الكرة وافتتحوا الجزيرة وأرسلوا رئيس عصبتها إلى رومة أسيرا ، ثم ازداد الرومان تمكنا منها بما وقع من التخاذل بين أولئك الكهان إلى أن أبادوهم ، غير أنه كانت إحدى القبائل مترئسة عليهم امرأة يقال لها «بوديكيا» فاستنهضت جميع الأهالي وقهرت الرومان وقتلت منهم سبعين ألفا ، ثم أعادوا الكرة وانتقموا من الأهالي حتى قتلوا منهم ثمانين ألفا وزادوا عليهم العذاب المعروف من الرومان ثم عدلوا فيهم وكمل إخضاعهم بالعدل أحسن من السيف لكنهم شغبهم أهالي إسكوتسيا الساكنون في الجبال بغاراتهم المتتابعة فبنوا بينهم سورا ثم آخر أعظم منه طوله ثمانون ميلا وذلك في حدود سنة ١٢١ مسيحية.
وفي سنة ١٨٧ استبد على الرومان أحد قوادهم بميل الأهالي إليه وصار ملكا على إنكلاتيره ، ثم عادت إلى الرومان بلا حرب لتكاثر الإنقسامات الداخلية ودامت ولاية رومانية إلى القرن الخامس ، وفي مدة استيلاء الرومان التي هي أربعة قرون حصلت الأهالي على معارف جمة مما كان عند الرومان حتى كانت ذات مدن وحضارة وصنائع وتجارة لما في الأهالي من النشاط إلى الكد ، ثم في سنة ٤٢٠ اضطر الرومانيون إلى تسليم إنكلاتيره لأهلها ورفع جيوشهم منها لما وقع في إيطاليا من الحروب الأهلية والخارجية فكان حفظ قاعدتهم أولى لهم من حفظ المستعمر ، غير أن أهالي أنكلاتيره وإن حصلوا على حظ من التمدن بسبب المتسلط عليهم فقد فقدوا ما يوازي ذلك من الحرية والشجاعة للهوان الذي حملوهم إياه ، فلم يستطيعوا الإستقلال بأنفسهم لمهاجمة أهل الشمال من جبال أسكوتسيا فلذلك استنجدوا قبيلة من الألمان مقرها على مصب نهر الألب من أوروبا الشمالية تسمى