ولاية خديويها إسماعيل باشا (١) باعت سهاما من خليج السويس لدولة انكلاتيرة بمائلة مليون فرنكا فكثر في ذلك القيل والقال من جهة السياسة خوفا من استيلاء انكلاتيره على الخليج المذكور ، واهتزت لذلك فرنسا أزيد مما سواها فذكرت إحدى صحفهم يوما أن «روشيلد» أحد الصرافين الكبار المشهور بالغنى قد أعطى لصهره إذ ذاك مائة مليون فرنكا وخمسة وعشرين مليونا مهر ابنته ، ثم ذكرت على وجه التحمس والدعابة بأن البائع لو خطب هاته البنت لولد له وزوجها به لأخذ مائة مليون لحاجته وزاد ربحا خمسة وعشرين مليونا مع بقاء السهام على ملكه وإراحة العالم من التشويش والاضطراب.
مطلب في الأحكام
الأحكام في فرنسا أصولها هي المذكورة في إيطاليا لأن القانون الأصلي في ذلك هو قانون نابليون الأول إمبراطور الفرنسيس ، وإنما بينهم بعض خلافات مبنية على اختلاف العوائد وإدارة الأحكام منفردة عن الإدارة السياسية ولا سلطة لهاته عليها بالمرة ، ودونك مثلا لذلك وهو : أن «رستان» الذي كان قنسلا لفرنسا وسعى في الإنقلابات التي حدثت في تونس ، قد تكلم ضده وضد تصرف دولة فرنسا كثير من رجالهم في المجامع العامة وكذلك تكلمت ضدهم جملة صحف خبرية فرنساوية وغيرها ، وأشد الصحف مضادة إلى رستان وأعماله صحيفة «لانتراسيجان» التي يطبع منها يوميا ٥٣١ ، ١٥٠ نسخة ، وصاحبها هو الرجل الشهير «رشفور» الفرنساوي ، وقدح في عرض رستان في المال والسياسة وصار لكلامه رنة عظيمة ، حيث جعل استيلاء فرنسا على تونس كان لفوائد خصوصية مالية لمن سعى في ذلك ولمن أعان ، وكان رستان أشد تهمة فأراد رستان تبرئة نفسه بإقامة الدعوى على صاحب الصحيفة لدى مجلس الحكم وترافعوا وأدلى كل منهما بما توصل إليه من الحجج ، وكانت عدّة رجال من الدولة الفرنساوية في الانتصار إلى رستان حتى الوزراء السابقون في الخارجية شهدوا له بأنه منفذ لأوامرهم ولم يتحقق عندهم ما يدعى به عليه ، ومثلهم المنتصبون في الوزارة وحاولوا مستطاعهم في نصرته لكن الحق بدا وغلب ولم يمل مجلس الحكم لأهواء أحد ، وحكم على رستان وألزمه بأداء مصاريف التحاكم وبذلك صحت مقالات الصحيفة المشار إليها وخرج صاحبها صادقا منصورا ، وقد ترجمت جميع جلسات مجلس الحكم المشار إليه وأفردت بالطبع حتى باللسان العربي ، وبالإطلاع على ذلك الكتاب يتأيد جميع ما ذكرناه في الأحوال التونسية وأسباب انقلابها ، ويتأيد ما ذكرناه في السياسة الخارجية لفرنسا وفي السياسة الخارجية لتونس ، وما ذكرناه هنا من انفراد إدارة الأحكام عن إدارة السياسة سيما بعد
__________________
(١) هو إسماعيل «باشا» بن إبراهيم بن محمد علي الكبير (١٢٤٥ ـ ١٣١٢ ه) خديوي مصر. ولد في القاهرة. وهو أول من أطلق عليه لقب «الخديوية» من رجال أسرته. توفي في الآستانة ونقلت جثته إلى القاهرة. الأعلام ١ / ٣٠٨ النخبة الدرية (٣٠) ومجلة المقتطف ٤ / ٥٧.