الدول الكبيرة وإن كانت إذ ذاك دخلت بصفة دولة «سردانيا» حيث انعقد الصلح بين الدولة العلية والروسيا وعقدت له شروط «معاهدة باريس» التي اجتمع لها نواب الدول الكبار الست الأوروباوية ونواب الدولة العلية ، ووقع الجميع على المعاهدة وكان منهم نواب «سردانيا» لدخول دولتهم في الحرب كما سبقت الإشارة إليه.
فصل في بعض عوائد أهالي إيطاليا وبعض صفاتهم
إعلم أن سكان إيطاليا من أبناء أجناس من الأمم الذين وفدوا عليها قديما واتحد الجميع بصفة الطليانيين منذ قديم ، وديانتهم عموما مسيحية على المذهب الكاتوليكي ، وهو مذهب الدولة وكثير ممن تفننوا في العلوم الرياضية قادتهم الطبيعيات فصاروا لا يعتقدون شيئا من الديانات ظنا منهم أنها جميعا مردودة بالعقل ، مثل ما يرون من عقائد ديانة النصارى واليهود. لكن عقلاؤهم يقرون بالخالق جل وعلا ولو اطلعوا حقيقة على حقائق الديانة الإسلامية لما وسعهم من الإنصاف إلا اتباعها لمطابقتها للعقل وسطوع برهانها ، والمسؤول عن عدم إبلاغ الشريعة إليهم على حقيقتها هم من أناط الله بهم ذلك على ما سيأتي إيضاحه في الخاتمة إن شاء الله تعالى.
وسكان إيطاليا هم بيض أقوياء مدنهم أكثر أهاليها مهذبون ، وأما القرى والبوادي فهم على الخشونة والاعتقاد التقليدي البحت للقسوس ، وهم أصحاب جد في العمل والأشغال ، وأصحاب الأعمال البدنية يبكرون إلى أشغالهم. وأما ذوو الترف والأحكام فإنهم يطلبون السهر ويفيقون من نومهم مؤخرا ولا يبتدئون الأشغال إلا قبل الزوال بساعة أو ساعتين أو عند الزوال ، وكثيرا ما يدعو الأحباء بعضهم بعضا للسمر والرقص في منازلهم وتارة يستدعونهم للعشاء مع ذلك وتارة يقتصرون على تقدم فواكه وحلويات وخمور ، وليس من عاداتهم الحياء مثل ما هو عندنا فترى البنت تخاطب زوجها وتفاكهه أمام والديها بل وتفعل مثل ذلك مع خطيبها وترقص مع الرجال أمامهم هذا في البنات فكيف بالبنين؟ وعندهم أن الغناء ليس بمعيب من النساء فترى أكبر الأعيان يحتفل في داره بدعوة عامة وتصير بنته أو زوجته أو إحدى النسوة الأعيان المدعوات تغني في ذلك الملأ وترقص مع الرجال على أشكال شتى ، من معانقة ومخاصرة وغيرها ولا تأثيم من ذلك بل يرونه إكراما بحيث أن المسلم الغيور يكاد يتفطر مما يرى.
وأما الرجال الأعيان : فالرقص عندهم مع النساء ولو في المواكب غير معيب لكن الغناء منهم معيب ، والنسوة يخرجن مكشوفات الوجوه ويتعاطين من الأشغال مثل الرجال إلا الأشغال الشاقة والتعاليم للعلوم العالية ، ويصاحبن الأجانب عن قرابتهن مثل الرجال ، ويقول رجالهم : إن الذي حمل المسلمين على حجب النساء مما في طباعهم من الخيانة ، وشدة الحجب توجب شدة الشوق ، وحيث أنا على خلاف ذلك فالأمن على نسائنا محقق والتي لا يحميها عرضها لا يحميها حائط دارها.