والساعات لم يتكاثر كغيره ولا يلبث أن يعم ، واتحاد ساعات البلد أمر مهم جدا في كثير من الأمور ولهذا كانت أوقات طرق الحديد في كل مملكة معتبرة على قاعدة تلك المملكة فتجد جميع ساعات المحطات متحدة على وقت واحد.
الفصل الثالث : في بقية البلدان التي شاهدتها بفرنسا
فأولها : بلد «فرسال» هي غربي باريس تبعد عنها مسير نصف ساعة في الرتل وهي منتزه الملوك وبها قصور أنيقة وبدائع من تحف الملوك ومآثرهم ، ومنها الكراريس الرسمية التي تبلغ قيمتها الملايين لما فيها من الذهب والفضة وإتقان الصنعة ، وحول تلك القصور البساتين والحدائق الجميلة ذات المياه الدافقة والبرك الواسعة ، قد جعل فيها سنة ١٢٩٥ ه وهي سنة المعرض عدة ليال للزينة واندفاع المياه ، فرأيت هاتيك الحدائق ملونة بقناديل الأنوار المحاكية كثرة النجوم وشماريخ البارود بألوان وأشكال صاعدة وفائضة ودائرة ، ومنابع المياه طائرة في الهواء كل عمود منها في غلظ نحو نصف ذراع مرتفع عن منبعه نحو أربعين ميترو فكأنها منائر من الزجاج تبرق بسطوع الأنوار عليها ، وكذلك أنواع أخر من المنابع ترمي إلى أمامها على استقامة إلى أمد بعيد وكل تلك المياه منبعثة من نهر السين بآلات قوية بخارية والمتفرجون عدة مئات الألوف ، وحول البلاد غابات ومماشي جميلة والبلاد واسعة الطرق نظيفة ظريفة والقصور الملوكية ليس بها من المفروشات إلا قليلا من آثار الملوك متحفظين عليها على ما كانت عليه ، وقد رأيت بها كلا من مجلس الأعيان والنواب إذ كانا نقلا إلى هناك بعد حرب ألمانيا سنة ١٢٨٧ ه ١٨٧٠ م ، وكان جلوسي في بيت رئيس الجمهورية إكراما منه لي على عادتهم في الإكرام بمثل ذلك ، فأما مجلس الأعيان فلم يكن به شيء من المسائل المهمة ذلك اليوم إذ هو يوم لتصحيح قانون استقر عليه رأيهم في استقراضات وإصلاحات للولايات ، حتى رأيت الأعضاء كل مشتغل بالحديث مع صاحبه والكاتب يقرأ في القانون ولما كثر اللغط نبههم الرئيس مرارا للإستماع فكأنه لم يخاطب أحدا واضطر للسكوت ، وذلك لأن ذلك القانون قد تباحثوا فيه مرارا واستقر الرأي فيه وطبع ووزع على الأعضاء وعرفوه تفصيلا فكانت قراءة الكاتب إليه قراءة رسمية ، ليقع الإمضاء عليه فقط.
وأما مجلس النواب فتذاكروا فيه على مسألتين.
أولاهما : طلب وزير المال للرخصة في صرف خمسة آلاف فرنك على جنازة أمير آلاي بلغ السبعين سنة من العمر ومات تحت السلاح فقيرا بعد أن ذكر تاريخ حياته ومآثره ، وطلب إجراء ستة آلاف فرنك سنويا لعائلته وأن ذلك المطلب استقر عليه رأي الوزراء ، فما ختم كلامه إلا وارتفعت الأصوات من جهات اليمين منكرين لذلك وردت عليهم أصحاب الشمال واشتد الوطيس بين الفريقين إلى أن التزم الرئيس بإسكاتهم ، ورام اتباع القرعة ، فخرجت الأكثرية بموافقة الوزراء فقلت لرفقائي : هل رأيتم ما وقع؟ قالوا : نعم ، لكن ما