وأما القسم الثاني : من أصل المعارف فهو سائر المعارف الرياضية وهاته لها مكاتب من الدولة في البلدان المتمدّنة ، وهي على نحو المكاتب الفرنساوية غير أنها قاصرة عن العلوم العالية ، فبعد إتمام التلميذ فيها معارفه ينتقل إلى باريس التي هي مركز سائر العلوم العالية ، والمكاتب بالجزائر فيها ما هو للولدان وفيها ما هو للبنات وقد حضرت بالإستدعاء في امتحان البنات بعنابة ووقع الإمتحان في اللغة الفرنساوية وفي الكتابة وعزف البيانو ، وأنشدت المديرية خطبة في تحسين التعليم وأغلب المعلمين نساء في هذا المكتب ، كما حضرت إمتحان مكتب الولدان من مسلمين وغيرهم وحضر كلا من الإمتحانين وجوه البلد وحكامها.
مطلب في الصنائع وغيرها بالجزائر
الصنائع بها أحسنها الفلاحة وقد أتقنت في الجهات الشمالية على نحو ما هي في فرنسا. وأما بقية الصنائع فإنها على نحو ما بتونس مع الإنحطاط في الدرجة لا في الكمية ولا في الكيفية عما في تونس إلا بعض أنواع من البرنس فلهم فيه مزيد إتقان كالمسمى بالعباسي وأما هيئة المساكن والطرقات فإن الجديد على نحو ما في فرنسا والقديم على نحو ما في تونس ، لكن الطرقات معتنى بتنظيفها وتنويرها على كل حال كما في فرنسا. وأما اللبس فالرسمي فرنساوي وقواد الأعراب الكبار يلبسون قفطانا طويلا مطرزا بأسلاك الفضة المذهبة ، وبقية لبس الأهالي على نحو لبس التونسيين سوى عموم لبس الرداء المسمى بالحرام حتى في المدن ويجعلون العمامة فوقه وكلهم يدخلون رؤسهم في فوهة البرنس ، ولباس النسوة أحسن سترة منهن في تونس لأنه متدلي ، وكذلك الأكل والمواكب على أنواعها فإنها نحو ما في تونس إلا الذين لهم مزيد اعتناء بتقليد الأوروباويين فقلدوهم في أشياء كثيرة ، وقد رأيت من العادات القديمة أنهم لا يدخلون ديارهم بنعالهم بل كل من وصل إلى السقيفة نزع نعله ولبس نعلا خاصا بالدار أو دخل حافيا تحفظا على النظافة والطهارة ، ولهم أنواع ظريفة متقنة في الأكل سيما المتخذ من ورق العجين حلوا ومالحا.
وأما اللغة فهي أيضا عربية محرفة على نحو ما في تونس غير أنهم أقل فصاحة في النطق ببعض الأحرف مع وجود كلمات غير معروفة في تونس كقولهم : «أدروك بمعنى أنظر» أو ما قاربها ، وفي جهات ذرية البربر لم تزل لغات أسلافهم مستعملة كما في زواوة وبني مزاب.