بها مدة ، فاستقبله في الطريق وهو راجع إلى الأستانة الشريف المقدس أبو نمي ابن الشريف بركات (١) فبايعه نيابة عن أبيه وقلده السلطان حالا إمارة الحجاز كله بمشاركة لأبيه في حياته واستقلاله بعد مماته ، ولم تزل ولله الحمد هاته العائلة الكريمة الشريفة هي الحاكمة على الحجاز إلى الآن وذاك أعظم دليل على ثبوت نسبها لأنها من عهد استقلالها الذي هو كبد القرن الخامس وتوفر حالة معرفة الأنساب من الدولة العباسيّة التي لم تزل إلى ذلك التاريخ لها صولة وشوكة خصوصا فيما يعود لأمر النسب الذي يخشى منه حتى السلاطين المتغلبين عليهم ، لأنهم يخشون من خروج الخلافة إلى غير العباسيين الذين هم من شيعتهم ، وأخضعوا الناس بإسمهم أن يتلاشي أمرهم بتلاشي متبوعهم فلم يقروا لهم بالنسب ويرضوهم بالسكوت عن الحجاز إلّا لما يعلمون من حقيقة نسبهم وثبوته عند الخاص والعام ، وهكذا بقيت هاته العائلة بارك الله لنا وللمسلمين فيها حاكمة على منبع البعثة ، أقرّ الله أعيننا والمسلمين بوجودهم والقيام بسنة الحق لآبائهم وجدودهم ، والأمير الحالي هو مولانا الهمام الشهم عون الرفيق ابن مولانا المقدس المبرور سيدنا محمّد بن عون صلوات الله وسلامه على جدهم رسوله وعليهم وعلى جميع آلهم.
مطلب في السياسة الداخليّة للحجاز
اعلم أن مدار الإدارة كلها جليلها وحقيرها كلياتها وجزئياتها قد كان سابقا مناطه هو الأمير السيد الشريف ، وكانت على حسب أصول المراسم الشرعيّة المتعارفة من قديم مثل تفويض الأحكام الشخصيّة إلى القاضي والمفتي وانفراد الأمير بالجلوس إلى رفع المظالم وإجراء بقيّة الإدارة ، واستمر على ذلك بعد الخضوع للدولة العليّة أيضا قسما مديدا من الزمن حتى في أمر القوة الحربيّة ، فقد كان للأمير عساكر خاصون بإمارته ليقيم بهم ما تستدعيه القوة وقد بقي إلى الآن شيء من ذلك حيث أن للأمير نحو الحراس أو العساكر الخاصة لا يبلغ عددهم المائتين ، وعندما بدى للدولة العليّة الإحتراس من أمر الولاة مدة السلطان محمود الثاني (٢) في أواسط القرن الثالث عشر لكثرة مخالفة ولاة الأطراف على ما سيأتي بيانه في محله ، حصل ذلك التغيير أيضا في الحجاز لكنه بأمر هين وهو جعل القوة العسكريّة الكبرى خاصة بالدولة العليّة بأن ترسل هي من تختها عساكر يقيمون هناك وتزيد قوتهم وتقللها على قدر الحاجة ، ورئيسهم من طرف الدولة أيضا ليس بملزوم لامتثال أمر
__________________
(١) هو محمد بن بركات بن محمد بن بركات بن الحسن بن عجلان أبو نمي (٩١١ ـ ٩٩٢ ه) شريف من أمراء مكة. ولد وتوفي فيها. الأعلام ٦ / ٥٢ وخلاصة الكلام (٥٢ ـ ٥٥).
(٢) هو السلطان الغازي عبد المجيد خان بن السلطان محمود خان الثاني (١٢٣٧ ـ ١٢٧٧ ه) جلس على كرسي السلطنة العثمانية سنة (١٢٥٥ ه) وسنه نحو سبعة عشر عاما وفي عنهده حدثت الفتنة بين الدروز والمارونية في جبل لبنان. وكانت مدة خلافته اثنان وعشرون سنة. انظر تحفة الإمام مختصر تاريخ الإسلام لمفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري صفحة (٢٠٣) رقم الترجمة (٣١).