أحدهم شيئا من مواد المعاش غرم مالا وهذا من عجائب الأحكام ، إذ كيف يلزم إتفاق أراء عديدة على قول واحد دائما أو يغصبون على ذلك فعوضا أن يكون ذلك وسيلة للعدل ربما كان واسطة للجور ، كما أنهم صاروا يستحسنون تعويض الحكم بالأعمال الشاقة عن القتل مهما أمكن وذلك جالب لزيادة الشر كما صرحت به صحفهم المنصفة ، وكذلك صاروا لا يحكمون بحبس المدين وإنما على الدائن إثبات مال له والحكم يوصله به ، ومن أحكامهم المبنية على العادات القديمة تغريقهم للوطي في وعاء من العذرة إلى أن يموت وهو من أشدّ الشناعات عندهم ومع ذلك فهو فاش في كثير منهم سرا سيما العساكر البحرية ، وقد وقع عندهم منذ عهد قريب أن أحد الملاهي وجد فيه لاعبات جميلات جدّا فدعاهن مترفوهم واختلوا بهن وبعد مدة مديدة اكتشفت الحرس على أنهن في الواقع غلمان ، وشدّد البحث عن حالهم فوجدوا بحكم الأطباء أنهم مفعول بهم كثيرا لكن حكم فيهم أشد حكم ولم تتبع الجزئيات لكي لا يقع الإفتضاح لبعض العلية ، وقد ابتنى على عدم حصر أحكامهم في مرجع واحد طول مدة الحكم وكثرة المصاريف عليها أزيد مما يوجد من الطول في محاكم أوربا التي تطول فيها النوازل جدا ، ومن أحكامهم إباحة الزنى بالتراضي مثل ما في غيرهم لكن يمكن أن يقال نساء عليتهم أعف من غيرهن في الممالك الأخرى ونساء أواسط الفرنسيس على ذلك النحو وما عدا هؤلاء فلا ترد إحداهن تعريضا لا ما قل بل وربما فاتحت هي الرجل.
مطلب في المعارف بإنكلاتيره
لا خفاء أن امتداد الثروة مبني على كل من العدل والعلم فعلى قدر ارتقاء ذلك تنمو الثروة ، وما تقدم من إجمال حال ثروتهم دال على حالة المعارف عندهم وأصول المعارف هي الموجودة بغيرها من الممالك السابقة وتنقسم تعاليمها إلى التقاسيم الموجودة في فرنسا ، وأعظم المدن التي توقد إليها مزجيات الأرتال لإقامة التلامذة بمدارسها هي مدينة كمبريج واكسفورد ، وأكثر أبناء الأغنياء يقيمون بهاته المدارس ولهذا كان كل من البلدين غالي الأسعار إذ أغلب التلامذة يقضون أوقاتهم في التلهي والتفاخر والوسيلة إسم التعلم وقل ما يبرع أبناء الأغنياء في العلوم ، لكن على كل حال لا يوجد فيهم الجهل المطبق ، ومما اختصت به إنكلاتيره وجود جمعية ديانية لنشر مذهبهم البرتيستانتي وإنفاق النفقات الباهظة على إرسال الرسل لتنصير الناس في أقسام الأرض وحماية دولتهم وراءهم فيغرون الناس بالمال وبالمباحثات الدينية وبفتح المدارس لتعليم العلوم ودرس العقائد فيها ، وقد بذلوا مستطاعهم في الهند لتبديل عقائد أهله وحصلت مع المسلمين مباحثات شهيرة وكان الانتصار فيها ولله الحمد للمسلمين ، حتى أنه أسلم بسببها كثير من المجوس ، بل في هاته المدة أسلم أربعة قسوس من الذين تصدوا للنزاع والجدل بسبب صدق الديانة الإسلامية ورسوخ العلماء هناك وتبحرهم في العلوم ، ثم أن أسباب تيسير نشر المعارف في إنكلاتيره