يمر به إلا رجل واحد إلا طريق الباب المصري الموصل لباب السلام ، وقرب الباب المصري المناخة وهاته المناخة بطحاء وسيعة وحولها مخازن للذخائر ، ومن عادات أهل المدينة أنهم لا يركبون داخلها تأدبا مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلا المعذور ، وإذا لاقى أحدهم غيره خارجها وهو راكب ترجل له عملا بالأثر المروي ، وبقية عوائدهم على ما سيأتي في العادات العامة ، غير أن أخلاقهم رضياللهعنهم أحسن أخلاق أهل الأرض فيما علمت من لين الجانب وصفاء القلب ومواساة القريب والبعيد والكرم ولو كان بهم خصاصة ، وحرية النفس والشهامة والشجاعة فهم أهل لذلك الجوار كما ورد وصف مدحهم في القرآن العظيم (١) ، ومن وفد عليهم تخلق بخلقهم لأن أصل الأنصار لم يبق منهم هناك إلا عائلة واحدة وبقية السكان كلهم من الوافدين فيما بعد إلا السادة الأشراف حقا ، فهم من أبناء سيد الوجود وابن عمه سيدنا علي رضياللهعنه ، وأما بقية المهاجرين فلم يبق من نسلهم هناك أحد معروف سوى واحد نقيب في ضريح سيدنا حمزة هو من بني العباس رضياللهعنهم أجمعين.
مطلب في صفة موكب الحج
لما كان الحج فرضا على كل مستطيع له من المسلمين فهم يهرعون إليه من كل فج عميق فيجتمع المسلمون من جميع قبائل الأرض من مشارقها ومغاربها ، وقد كان في الزمن السابق يأتي أكثرهم برا أما بعد حدوث البواخر فصار الأكثر يأتي بحرا بالركوب في البواخر إلا من كان من أهالي جزيرة العرب فإنهم يأتون برا ، وكذلك الركب المصري وإن بطل سفره برا عند طبع هذا المحل وأما عند حجي فإنه كان يأتي برا ومثله في الإتيان برا الركب الشامي الذي كان يخرج من القسطنطينية ويأتي إلى دمشق الشام ويجتمع هناك بركب العراق مع حجاج الشام ويسافر الجميع إلى مكة.
وصورة هاته الأركاب هو أن يعين السلطان حاكما من رجال دولته على الركب ويصحبه أمين الصرة أي الحامل للأموال المعينة لمصاريف الحرمين ولسائر المتوظفين وللأعراب الذين لهم عوائد من الدولة ، وتلك الأموال مأخوذة من دخل أوقاف الحرمين ومن خزنة الدولة كل لما يخصه ، وكذلك يحمل الهدايا والصدقات الخاصة التي يرسلها السلطان وأهالي دولته وسكان قصره بحيث يجتمع عنده أموال جسيمة ، وقد سمعت أن الذي ترسله الدولة للقيام بما يعود إليها من جميع ما يلزم الحرمين سواء كان من الخزنة أو من الأوقاف هو الآن نحو مليونين ونصف فرنكا عدا الهدايا الخاصة ، ثم يعين مع هؤلاء قسم من أنواع الجيوش فرسان ومدافعية ورجالة وتنصب لهم خيام للرحلة بها ، ثم ينضم
__________________
(١) وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: ٩].