فإن كل دولة يسوغ لها أن تستولي على بلاد الأخرى وتقول لها إنها لا تمس حقوقها والكلام وحده سهل ، فالحاصل أن السياسة التي وقعت من الدول في مصر وبالخصوص من الإنكليز أمرها عجيب واختراعها غريب ، ولله فيهم علم غيب هم صائرون إليه.
مطلب في بعض صفات وعوائد المصريين
أما أهل مصر الأصلية فهم مختلطون من العرب الفاتحين وأبناء القدماء المعروفين بالقبط وأبناء الروم الذين امتلكوا مصر نحو الستمائة سنة ولون الجميع أسمر إلا قليلا من أبناء الترك والمغاربة وغيرهم من الوافدين إلى هناك ، ولهم حسن أخلاق وظرافة وبشاشة في الخطاب وإذا احتدت نفوس الرعاع للخصام تراهم بذئي اللسان لهم مهارة في أصناف السب ، حتى إذا بلغوا إلى حد التضارب قال أحدهما لصاحبه : ما عليهشي فتسامحا وعادا إلى المصافاة ، ومن أخلاقهم حب السماع لكنهم اختصوا بكثرة إظهار استحسانه بالتأوه مع رفع الصوت ولا يتحاشى من ذلك حتى بعض أعيانهم ، بل أنهم يستأجرون أناسا معدين لذلك لكي يصرخوا بالتأوه حتى تحجب أصواتهم صوت الموسيقى والمغنين وتمضي الحصة كلها هكذا ، ومن عاداتهم إحضار قراءة القرآن في بيوتهم ليلا للتلاوة بالأنغام ويعطونهم أجورا على ذلك ، بل من الغريب أن بعض القبط أيضا يفعلون ذلك ، ومن عاداتهم في السلام أنه إذا دخل الداخل يقف له جميع الحاضرين فيشير بيده للسلام هاويا بها نحو الأرض ويرفعها إلى رأسه فيجيبونه بنحو ذلك ، ولا يقع منهم التقبيل إلا ليد العالم على ظهرها أو القادم من سفر يقبل في كتفيه ، وسلامهم مع الأمراء والكبراء هو بالإشارة أيضا لكنه فيه تعظيم كبير بأن يدخل الداخل قابضا يديه إلى صدره ويقرب خطاه منكسا رأسه معجلا بالخطا حتى إذا لصق بالرئيس هوى إلى الأرض كأنه يريد تقبيل رجله أو ذيل سترته ويمسك الذيل ثم يجعل يده على فيه ثم جبينه ، والمتواضع من الكبراء المسلم عليهم يضم ذيله إليه كأنه ممتنع من ذلك ويقول أستغفر الله أستغفر الله وغيرهم لا يفعل ذلك لكن أكثرهم متواضع ، وكلهم يقفون للداخل كبيرا كان أو صغيرا إلا الحقير بالمرة مع العظيم جدا ، ويتكرر الوقوف إلى الداخل مهما تكرر دخوله إلا إذا كان خادما أو صاحب شغل ، وأكثر ركوب المصريين على الحمير إلا العرب فالخيل ، وتوجد في المدن العجلات للركوب على أنواع شتى وسائقوها أسوء أخلاقا من أمثالهم في سائر البلاد وإن كانوا في الجميع غير مستقيمين ، وإذا ركب أحد الأعيان عجلته جعل أمامه رجلا يركض وهو لابس لباسا مزركشا وبيده عصا طويلة وهو حافي الرجل ويصيح بالمارين ليستيقظوا للعجلة وما أصبرهم على الجري وما أجراهم ، حتى إذا خرجوا من البلاد وقفوا وذهبت العجلة فإذا رجعت إلى البلاد رجع جاريا أمامها ، والمصريون أهل جد وكد في أشغالهم لا يميلون إلى البطالة بل يقبلون على أشغالهم من غير فتور ، ويوجد عندهم السؤال الملحون الملحفون حتى أنهم إذا رأوا من أعطى سائلا يكادون أن يسلبوه ثيابه غصبا من الإلحاح بل ربما أضروه في بدنه ، فالأصلح بالإنسان أن لا يعطي إلا سرا لمن يعلمه حقيقة محتاجا ، إذ