منصرفه من الشام ـ جارية بن قدامة السّعدىّ (١) ، فجعل لا يلقى أحدا خلع (٢) عليّا إلا قتله ، وأحرقه بالنار ، حتى انتهى إلى اليمن. فلذلك سمّت العرب «جارية بن قدامة» محرّقا (٣).
ويقال : إن أم عبد الرحمن ، وقثم (٤) ابنى «عبيد الله بن العباس» جويرية بنت قارظ الكنانيّة «وآل قارظ حلفاء لبنى زهرة بن كلاب». وكان عبيد الله بن العباس قد جعل ابنيه هذين «عبد الرحمن ، وقثم» عند رجل من بنى كنانة ، وكانا صغيرين. فلما انتهى «أى : بسر» إلى بنى كنانة ، بعث إليهما ؛ ليقتلهما. فلما رأى ذلك الكنانىّ ، دخل بيته ، وأخذ السيف ، ثم خرج يشد (٥) عليهم بسيفه حاسرا ، وهو يقول :
الليث من يمنع حافات (٦) الدار |
|
ولا يزال مصلتا (٧) دون الجار |
|
إلا فتى أورع (٨) غير غدّار
__________________
(١) صحابى يعد فى البصريين. روى عن الرسول صلىاللهعليهوسلم حديث : (لا تغضب) ، روى عنه أهل المدينة ، والبصرة. كان مع علىّ فى حروبه ، وشهد صفين. قيل : إنه عم الأحنف بن قيس ، أو دعاه بذلك ؛ تعظيما. لقّب محرّقا ؛ لأنه حرّق على عبد الله بن الحضرمى داره ، لما أرسل إليه معاوية أن يأخذ له البصرة من خليفة ابن عباس (واليها لعلى). توفى فى خلافة يزيد بن معاوية (الاستيعاب ١ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، والإصابة ١ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٤٨).
(٢) فى (تهذيب الكمال) ٤ / ٦٦ : خلع عليه عليا ، وحذفت (عليه) ؛ ليستقيم المعنى.
(٣) السابق ٤ / ٦٤ ـ ٦٦.
(٤) لعله سمىّ عمه (قثم بن العباس) ، ذلك الصحابى الصغير (ت ٥٧ ه). (التقريب) ج ٢ / ١٣٢.
(٥) هكذا فى (تهذيب الكمال) ج ٤ ص ٦٦. وفى (تاريخ دمشق) ١٠ / ١٢ : (يشتد).
(٦) جمع (حافة) ، دون تشديد الفاء ، أى : جوانب الدار. وحافة الشيء : طرفه ، وجانبه. (اللسان ، مادة : ح. و. ف) ٢ / ١٠٥٣ ، ومادة : ح. ى. ف : ٢ / ١٠٧٢) ، فهى واوية ويائية كذلك. وفى (المعجم الوسيط : ح. و. ف) ١ / ٢١٥. وفارق بين (حافة) ، و (حافّ) ؛ لأن الأخير هو ما يحفّ بالشيء ، ويحيط به. ومنه قوله (تعالى) : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الزمر : ٧٥]. (اللسان ، مادة : ح. و. ف) ج ٢ / ٩٣٠ ، والمعجم الوسيط ١ / ١٩٢).
(٧) أى : بارزا يدافع عن جاره. وهو مأخوذ من (صلت يصلت صلتا). نقول : صلت فلانا بالسيف : ضربه. أصلت الشيء : أبرزه ، وسيف مصلت : مجرّد من غمده. (اللسان ، مادة : ص. ل. ت) ٤ / ٢٤٧٨ ، والمعجم الوسيط ١ / ٥٣٩).
(٨) تهذيب الكمال ٤ / ٦٧ ، وفى (تاريخ دمشق ١٠ / ١٣ : أروع. والمثبت فى المتن أصح ، والمقصود : إن هو إلا فتى أورع (من الورع) ، لا يعرف الغدر.