آيات تشير إلى الحقائق ، تذكر بها وتهدي العقول إليها.
(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ)
فالقرآن ليس أفكارا بل هو آيات تشير مباشرة الى الحقيقة لكي يراها البشر فور ما تشير إليها ، والآية بمعنى العلامة والكلمة مأخوذة من مادة (أوى) بمعنى الذهاب إلى البيت وكأن العلامة تذهب بك الى رحاب الحقيقة ذاتها ، والقرآن هو ذلك الكتاب الذي يبصرك بالحقائق.
وآيات القرآن محكمة ومفصلة ، اما الأحكام فهي آتية من حكمة الله ، التي لا تدع ثغرة في كلماته ، ولا سبيلا للباطل إليها ، بل يصبّ الكلمات على مقياس الحقيقة دون زيادة بوصة أو نقيصة بوصة ، أو فراغ في جزء ، فهو يقول كل الحقيقة وبكل أبعادها ، واما التفاصيل فهو تحديد تلك البصائر المحكمة ضمن واجبات ومحرمات فرعية ، فالقرآن مثله مثل الشجرة راسخة الجذور منتشرة الفروع.
والأحكام بحاجة الى حكمة ، فمن لا يعرف الخطوط العامة لأنظمة الحياة ، كيف يتسنى له ان يضع برنامجا متكاملا لها ، ويعطي رؤية صادقة ، كما ان التفصيل بحاجة الى خبرة ومعرفة سابقة لدقائق الأمور ولطائفها ، والله حكيم خبير.
(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)
وتلك الحكمة التي نشاهدها في الإطار العام للكون ، وتلك الخبرة التي نراها في أدّق الأمور ، وألطفها مثل صنع أوجه النملة ومفاصل أرجلها ، أو في صنع الخلية الحية ، أو صنع الذرة المتناهية في اللطف. إن كل ذلك شاهد على حكمة الله وخبرته ، وأن خالق المجرات الحكيم وصانع الذرة الخبير ، هو الذي أمر بحكمته إخلاص العبودية له ، ووضع بخبرته برنامجا تفصيليا لهذه العبادة.