ومنهم من يقول : وجه إعجازه ، سلامته عن التناقض ، لكنه يستلزم كون كل كلام إذا سلم من التناقض ، وبلغ مقدار سورة من السور ، أن يعد معارضة. واللازم بالإجماع منتف.
ومنهم من يقول : وجه الإعجاز الاشتمال على الغيوب ، لكنه يستلزم قصر التحدي على السور المشتملة على الغيوب دون ما سواها ، واللازم بالإجماع أيضا منتف.
فهذه أقوال أربعة ، يخمسها ما يجده أصحاب الذوق من أن وجه الإعجاز : وهو أمر من جنس البلاغة والفصاحة ، ولا طريق لك إلى هذا الخامس إلا طول خدمة هذين العلمين ، بعد فضل إلهي من هبة يهبها بحكمته من يشاء ، وهي النفس المستعدة لذلك. خ خ فكل ميسر لما خلق (١) ، ولا استبعاد في إنكار هذا الوجه ممن ليس معه ما يطلع عليه ، فلكم سحبنا الذيل في إنكاره ، ثم ضممنا الذيل ما أن ننكره ، فله الشكر على جزيل ما أولى ، وله الحمد في الآخرة والأولى.
[خاتمة](٢) :
هذا وحين نرى الجهل قد أعمى جماعات عن علو شأن التنزيل ، حتى تعكسوا في ضلالات اعتقدوها لجهلهم مطاعن قامت على صحتها الأدلة ، فما ديدن الجهال إلا كذلك ، يقيمون ما نص لديه الجهل تليله ، مقام ما قص عليه العقل دليله ، فلئن لم يحرك ها هنا القلم ، ليقفن المبتغي بين منزلي حصول وفوات ، وكأني بمقامي هذا أسمعه
__________________
(١) هذه قطعة من حديث طويل أخرجاه في الصحيحين عن علي ـ رضياللهعنه ـ مرفوعا : ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ، ومقعده من الجنة قالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال : اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة ، فسييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة ، فسييسر لعمل الشقاوة ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) الآية. وانظر في شرحه شرح الطيبى على مشكاة المصابيح ٢ / ٥٣٧ ح ٨٥ ط نزار الباز مكة المكرمة ـ بتحقيقى.
(٢) في (د) : فصل.