خطتنا في عرض الدرس البلاغي
تمتاز هذه الخطة بمحاولة الحفاظ ـ ما أمكن ـ على ذلك الموروث البلاغي العظيم ، الذي يمثل جهود عباقرة أفذاذ توالوا على مرّ العصور ، يصعب تكرر نظير لهم في هذه العصور التي ضعفت همم أهلها ، وقصرت فيها علومهم عن استيعاب ذلك الموروث ، بله الزيادة عليه.
هذه الخطة إنما هي وليدة التأمل في ذلك التقسيم السكاكي السابق ، متحاشية جوانب القصور فيه ، مثل :
١ ـ عدم الاهتمام الكافي بدراسة الكلمة المفردة ، دراسة تركز على دلالتها الصوتية والمعجمية والصرفية والمقامية ، وما لتلك الدلالة من أثر كبير في تحقيق المطابقة المنشودة.
٢ ـ الدراسات التي دارت حول الكلمة المفردة ، وأغلبها في المصنفات التي دارت في فلك المفتاح ، كالتلخيص وشروحه ، قد عزلت الكلمة المفردة عن سياقها ضمن ما سمّوه بدرس الفصاحة ، ومن ثم سلبوها كل قيمة في تحقيق المطابقة وبلاغة الكلام ،
مما يستدعي إعادة النظر في هذا المبحث برمته ، لا سيما فصاحة اللفظة المفردة.
٣ ـ قصر المطابقة على رعاية حال المخاطب دون رعاية حال المتكلم.
٤ ـ تكرار المباحث ، وتشتيت بحث الظاهرة الواحدة في أكثر من موضع ، فمثلا :
الحذف يأتي في حذف المسند إليه ، وفي حذف المسند ، ويأتي في الإيجاز وغير ذلك ، وكذلك الذكر يأتي في المسند إليه ، والمسند ، والإطناب ..... إلخ.
٥ ـ وقد نتج عن ذلك :
كثرة التقسيمات والتفريعات ، حيث إن كثيرا من هذه المباحث كان يمكن ضم بعضها إلى بعض ، لو لا ما قام به السكاكي ومن تابعه من تشتيت الظاهرة الواحدة في أكثر من موضع.
٦ ـ عدم منطقية التقسيم ، فعلى الرغم من الصبغة المنطقية التي حاول السكاكي ومن تابعه صبغ البلاغة بها ، فإن هذا التقسيم يبدو آخر الأمر خاليا من المنطقية تماما ، وذلك لأن تقسيم مباحث البلاغة إلى هذه العلوم الثلاثة ؛ لا بد أن يكون أساسه تعدد أغراض تلك العلوم وغاياتها ، ومع ذلك ؛ فإن الغرض الذي يحدد لأحد هذه العلوم يصلح أن يكون غرضا للعلمين الآخرين ، فإذا كان غرض المعاني هي المطابقة لمقتضى الحال ؛ فإن هذا الأمر لا نستطيع أن نجرد منه العلمين الآخرين في الحقيقة ، وإن كان هذا