التخييل ، وإن كان يحتمل عندي أن يحمل على التحقيق ، وهو أن يستعار لما يلبسه الإنسان عند جوعه من انتقاع اللون ورثاثة الهيئة.
القسم الرابع
في الاستعارة بالكناية
هي ، كما عرفت ، أن تذكر المشبه ، وتريد به المشبه به دالا على ذلك بنصب قرينة تنصبها ، وهي أن تنسب إليه وتضيف شيئا من لوازم المشبه به المساوية ، مثل أن تشبه المنية بالسبع ، ثم تفردها بالذكر مضيفا إليها ، على سبيل الاستعارة التخييلية ، من لوازم المشبه به ما لا يكون إلّا له ، ليكون قرينة دالة على المراد ، فتقول : خ خ مخالب المنية نشبت بفلان ، طاويا لذكر المشبه به ، وهو قولك : خ خ الشبيهة بالسبع ، أو مثل أن تقول : خ خ لسان الحال ناطق بكذا ، تاركا لذكر المشبه به ، وهو قولك : خ خ الشبيه بالمتكلم ، أو تقول : خ خ زمام الحكم في يد فلان ، بترك ذكر المشبه به.
وقد ظهر أن الاستعارة بالكناية لا تنفك عن الاستعارة التخييلية ، هذا ما عليه مساق كلام الأصحاب ، وستقف ، إذا انتهينا إلى آخر هذا الفصل ، على تفصيل ههنا. وكأني بك لما قدمت أن الاستعارة تستدعي ادعاء أن المستعار له من جنس المستعار منه دعوى إصرار ، وادعاء أنه كذلك مع الإصرار ، يأبى الاعتراف بحقيقته. والاستعارة بالكناية مبناها على ذكر المشبه باسم جنسه ، والاعتراف بحقيقة الشيء أكمل من التنويه باسم جنسه. يهجس في ضميرك أن الجمع بين الإنكار البليغ ، وبين الاعتراف الكامل ، أنى يتسنى ، فالوجه في ذلك هو أنّا نفعل هاهنا ، باسم المشبه ، ما نفعل في الاستعارة بالتصريح بمسمى المشبه ، كما أنّا ندّعي هناك الشجاع مسمّى للفظ الأسد ، بارتكاب تأويل على ما سبق ، حتى يتهيأ التفصي عن التناقض في الجمع بين ادعاء الأسدية ، وبين نصب القرينة المانعة عن إرادة الهيكل المخصوص ، ندّعي ههنا اسم المنية اسما للسبع ، مرادفا له بارتكاب تأويل ، وهو : أن المنية تدخل في جنس السباع لأجل