وأن رجلا وقف على الحسن بن الحسن البصري ، رحمهماالله ، فقال : أعتمر أخرج أبادر ، فقال : كذبوا عليك ، ما كان ذلك. فإن السائل أراد : أعثمان أخرج أبا ذر؟ وأن الحسن بن وهب نهض ذات ليلة من مجلس ابن الزيات فقال : سحير ، أي : بت بخير. فقال له ابن الزيات. بنية. أي : بت به.
دهاء نساء العرب وفطنتهن :
وما ظنك بكياسة جيل قد بلغت من الدهاء نساؤهم إلى حد نقدهن للكلام ، وما يحكى أنشدت واحدة ، وكانت الخنساء (١) :
لنا الجفنات الغّر يلمعن بالضحى ... |
|
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما |
فقالت : أي فخر يكون في : أن له ولعشيرته ولمن ينضوي إليهم ، من الجفان ما نهايتها في العدد عشر ، وكذا من السيوف؟ ألا استعمل جمع الكثرة : الجفان ، والسيوف؟ وأي فخر في أن تكون جفنة ، وقت الضحوة ؛ وهو وقت تناول الطعام ، غراء لامعة ، كجفان البائع؟ أما يشبه أن قد جعل نفسه وعشيرته بائعي عدة جفنات؟ ثم أنى يصلح للمبالغة في التمدح بالشجاعة ، وأنه في مقامها : يقطرن دما؟ كان يجب أن يتركها إلى أن : يسلن أو يفضن أو ما شاكل ذلك.
وقد اجتمع راوية جرير ، وراوية كثير ، وراوية جميل ، وراوية نصيب ، وأخذ يتعصب كل واحد لصاحبه ، ويجمع له في البلاغة قصب الرهان ، فحكموا واحدة ، وكانت : سكينة ، فقالت لراوية جرير : أليس صاحبك القائل :
__________________
(١) البيت من الطويل. وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٣١ ، وأسرار العربية ص ٣٥٦ وخزانة الأدب (٨ / ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١١٦) ، ولسان العرب (١٤ / ١٣٦) (جدا) ، والمحتسب (١ / ١٨٧) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر (١ / ١٣٥).
الجفن : غمد السيف والجفن : أعظم ما يكون من القصاع.
والجفن : غطاء العين من أعلى وأسفل.