أرحامهم ؛ تناحرا في الملك ، وتهالكا على الدنيا ؛ ليهجم بهم التأمل في المتوقع على ما يثمر من : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)(١) لئلا يلبسوا ، لمن إذا عرض لهم بذلك ، على سبيل النصيحة ، جلد النمر ، وأن لا تنقلب له حماليقهم (٢) ، وإما لأنه لا طريق لك إلى تعريف الزائد على هذا القدر لسامعك ، وإما لأن في تعيينه مانعا يمنعك ، وإما لأنه في شأنه ارتفاعا أو انحطاطا واصل إلى حد يوهم أنه لا يمكن أن يعرف ، فتقول في جميع ذلك : عندي رجل ، أو حضر رجل. وقولهم : شرّ أهرّ ذا ناب (٣) من الاعتبار الأخير ، وستسمع في مثل هذا التركيب ، أعني نحو : رجل جاء ، وامرأة حضرت ، فوائد. وكذا قولك ، في حق من يحقر مقداره في نوع من الأنواع : عنده شمة ، قال تعالى : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ)(٤) ومنه : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)(٥)
__________________
(١) سورة محمد الآية ٢٣.
(٢) حماليقهم : جمع : حملاق : ماغطت الجفون من بياض المقلة ، وبياض العين.
(٣) قال ابن منظور : قال سيبويه : وحسن الابتداء بالنكرة لأنه في معنى : ما أهرّ ذا ناب إلا شرّ أعنى أن الكلام عائد إلى معنى النفي ، وإنما كان المعنى هذا ؛ لأن الخبرية عليه أقوى ، قال : وإنما احتيج في هذا الموضع إلى التوكيد من حيث كان أمرا مهما ، وذلك أن قائل هذا القول سمع هرير كلب فأضاف منه وأشفق لاستماعه أن يكون لطارق شر ، فقال : شر أهر ذا ناب ، أي : ما أهر ذا ناب إلا شر ، تعظيما للحال عند نفسه ، وعند مستمعه ، وليس هذا في نفسه ، كأن يطرقه ضيف أو مسترشد ، فلما عناه وأهمه أكد الإخبار عنه ، وأخرجه مخرج الإغلاظ به. اه. اللسان (هرر).
(٤) سورة الأنبياء ، الآية ٤٦.
(٥) سورة الجاثية ، الآية : ٣٢.