دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ)(١) أي : من نوع من الماء مختص بتلك الدابة ، أو من ماء مخصوص ، وهي : النطفة ، أو كان المقام غير صالح للتعريف ، إما لأنك لا تعرف منه حقيقة إلا ذلك القدر ، وهو أنه رجل ، أو تتجاهل وترى أنك لا تعرف منه إلّا جنسه ، كما إذا سمعت شيئا في اعتقادك فاسدا عمن هو مفتر كذاب ، وأردت أن تظهر لأصحاب لك سوء اعتقادك به ، قلت : هل لكم في حيوان على صورة إنسان يقول : كيت وكيت؟ متفاديا أن تقول في فلان فتسميه ، كأنك لست تعرف منه ، ولا أصحابك ، إلا تلك الصورة ، ولعله عندكم أشهر من الشمس ، وعليه ما يحكيه ، جل وعلا ، عن الكفار في حق النبي عليهالسلام : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)(٢) كأن لم يكونوا يعرفون منه إلا أنه رجل ما.
وباب التجاهل في البلاغة ، وإلى سحرها ، وإن شئت فانظر لفظ (كأن) في قول الخارجية (٣) :
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... |
|
كأنك لم تجزع على ابن طريف |
ماذا ترى؟ أو الاستخبار في قول علام الغيوب (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ)(٤).
متضمنا للتوبيخ لهم على تمريضهم (٥) ، ورخاوة عقدهم في الإيمان ، ناعيا عليهم أن يتوقع من أمثالهم ، إن تولوا أمور الناس وتأمروا عليهم ، أن يفسدوا في الأرض ويقطعوا
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤٥.
(٢) سورة سبأ ، الآية : ٧.
(٣) البيت من الطويل وهو لليلى بنت طريف في الأغاني (١٢ / ٨٥) ، ٨٦) ، والحماسة الشجرية (١ / ٣٢٨) والدرر (٢ / ١٦٣) ولليلى أو لمحمد بن بجرة في سمط اللآلى ص ٩١٣ وللخارجية في الأشباه والنظائر (٥ / ٣١٠) ، وديوان الخوارج (٢٣٩) وبلا نسبة في لسان العرب (خبر).
(٤) سورة محمد الآية : ٢٢.
(٥) تمريض الأمور ، توهينها وأن لا تحكمها ، ورأى مريض ، فيه انحراف عن الصواب. اللسان (مرض).