في مثل هذه الحالة تضيق الأَرض على الأقلية بما رحبت وتغدو الدنيا لهم على سعتها كسجن ضيق وصغير ، ويصيرون عُرضة للانهيار والسقوط بأقلّ قدر ممكن من الضغط عليها.
إن الاقليّة المخالفة المتمرّدة ربما تستسلم ـ في هذه الحالة ـ وتؤوب من منتصف الطريق ، وتطيع إرادة الأكثرية.
ولكن أقلية كهذه لابد أن تكون ممَّن لا تعود مخالفتها للأكثرية إلى أمر عقائديّ ولا يكون لانفصالها عن الاكثرية طابعٌ اُصوليٌ مبدأيّ ، كما لو كان خلافها مع الاكثرية مثلا على تحصيل ثروة أو منصب مهمّ أو ما شاكل ذلك.
فان مثل هذه الاقلية إذا أحسّت بخطر جدّي ، أو واجهت العذاب والسجن والحصار ستتراجع عن مخالفتها وتعود إلى طاعة الاكثرية مؤثرة اللّذة العابرة المؤقَّتة على اللذة الإحتمالية ، لأنها لم تنطلق من دوافع ايمانية اصيلة ، ولم يكن المحرك لها محركاً روحياً معنوياً.
ولكن الجماعة الّتي يقوم خلافُها للاكثرية على أساس الإيمان بهدف مقدس ، لن تنصاع أبداً لمثل هذه الضغوط ، ولن تنثني أمام هذه الرياح والعواصف ، ولا يزيدها ضغطُ الحصار الاّ صلابة وقوة ، وإصراراً وعناداً ، وتردُّ جميع ضربات العدوّ بالصبر والإستقامة.
إن صفحات التاريخ البشريِّ تشهد بأن أقوى العوامل لثبات كل أقليّة وصمودها في وجه الأكثرية هو : قوةُ الايمان ، وعاملُ الإعتقاد ، الّذي ربما يؤدّي رسالة الثبات والمقاومة ببذل آخر قطرة دم في ساحة المواجهة.
ولنا على هذا عشرات بل ومئات الأمثلة من التاريخ الغابر والحاضر.
لقد شقَّ على قريش انتشار الإسلام المتزايد وأزعجها نفوذه العجيب في القبائل العربية في مدة غير طويلة بالنسبة إلى عمر الدعوة ولهذا كانت تفكر باستمرار في حلّ لهذه المشكلة.