وإلى قضية التحكيم هذه يشير « هبيرة بن أبي وهب » في أبيات صوَّرت هذه الحادثة التاريخية الكبرى ، إذ قال :
تشاجَرَتِ الأحياء في فَصْل خطةٍ |
|
جرت بينهم بالنَحس مِن بعد أسعد |
تلاقَوابها بالبُغض بعد مَودَّة |
|
وأوقد ناراً بينهم شرّموقد |
فلما راينا الأمر قد جدَّ جدُّه |
|
ولم يبقَ شيء غيرُ سلّ المهند |
رضينا وقلنا العدل أولُ طالع |
|
يجيء من البطحاء من غير موعد |
ففا جأَنا هذا الامينُ محمَّدٌ |
|
فقلنا رضينا بالأمين محمَّد |
بخير قريش كلِها أمس شيمة |
|
وفي اليوم مع ما يُحدثُ اللّه في غد |
فجاء بأمر لم ير الناس مثلَه |
|
أعمَّ وارضى في العواقب والبَدِ |
وتلك يدٌ منهُ علينا عظيمةٌ |
|
يروبُ لها هذا الزمان ويعتدي (١) |
أجدبت مكةُ وضواحيها سنة من السنين ، وقل فيها الماء ، وأصابت الناس أزمة شديدة ، وكان أبو طالب عليهالسلام كثير العيال ، فعزم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن يساعد عمه أبا طالب ، ويخفف عنه عبء العيال ، فانطلق إلى عمه العباس وقال له : « إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصابَ الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه فلنخفّفْ من عياله آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنتَ رَجلا ».
فكفل العباسُ جعفراً ، وكفل رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا عليهالسلام.
يقول أبو الفرج الاصفهاني المؤرخ المعروف في هذا الصدد :
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٩٢ ـ ١٩٩ وفروع الكافي : ج ٤ ، ص ٢١٧ و ٢١٨ ، والجدير بالذكر أنهم قالوا عند تجديد بناء الكعبة : « يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها مِن كسبكم إلاّ طيّبا ، لا يدخلُ فيها مهر بغيّ ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد للناس » ( البداية والنهاية : ج ٢ ، ص ٣٠١ ) ولا شك أنّ هذه من بقايا تعاليم الأنبياء الّتي بقيت بينهم ولم تمح بالمرة.