ولكن من الطريف العجيب أن نفس الذين كانوا يمنعون الناس بشدة عن الاستماع إلى القرآن ، وكانوا يعدون كل من يتجاهل قرار ( تحريم الاستماع إلى القرآن ) مخالفاً يتعرض للملاحقة والعقاب ، نقضوا بعد أيام من إصدار هذا القرار قرارهم وانضمُّوا إلى صفوف المخالفين له في الخفاء.
فاذا بالذين يمنعون من سماع القرآن في العلن ، يستمعون إليه في الخفاء!
واليك بعض ما جرى في هذا الصعيد :
خرج « أبو سفيان » و « أبو جهل » و « الاخنس » ليلة ليستمعوا من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يصلي من الليل في بيته ، فاخذ كلُ رجل منهم مجلساً يستمع فيه ، وكلٌ لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتّى إذا طلَعَ الفجرَ تفرَّقوا فجمعهم الطريقُ فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ثم انصرفوا ، حتّى إذا كانت الليلة الثانيةُ عاد كلُ رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتّى إذا طلع الفجر تفرّقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ، ثم انصرفوا ، حتّى إذا كانت الليلة الثالثة اخذ كلُ رجل منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتّى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتّى نتعاهد ألاّ نعود ، فتعاهدوا على ذلك. ثم تفرّقوا (١).
* * *
بعد خطة ( تحريم الاستماع إلى القرآن ) بدأوا بتنفيذ خطة اُخرى وهي منع كل قريب وبعيد ممّن رغبوا في الإسلام وقدموا إلى مكة ليتعرفوا على النبيّ ، وعلى ما اتى به من كتاب ودين ، من الاتصال بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣١٥.