خارج عن إطار هذه الدراسة ، بيد أننا ـ مع ذلك ـ نعمد إلى بيان أسباب هذه الحروب الّتي شارك في إحداها رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بناء على رواية بعض المؤرخين وحوادثها على نحو الاجمال بغية اطلاع القارئ الكريم.
كانت العرب تقضي عامها كله بالقتال والاغارة ، وقد تسبب هذا الوضع في اختلال حياتهم ، واضطراب اُمورهم ، ولأجل هذا كانوا يحرّمون القتال ويتوقفون عنه في أربعة أشهر من كل عام ( هي شهر رجب ، ذوالقعدة ، ذوالحجة ، محرم ) ليتسنى لهم ـ في هذه المدة ـ أن يقيموا أسواقهم ، ويستغلّوها بالكسب والتجارة والبيع والشراء (١).
ولهذا كانت أسواق « عكاظ » و « مجنَّة » و « ذو المجاز » تشهد طوال هذه الاشهر الحرام اجتماعات كبرى وتجمعات حافلة وحاشدة ، كان يلتقي فيها العدوّ والصديق جنباً إلى جنب ، يتبايعون ، ويتفاخرون.
فقد كان شعراء العرب المشهورون يلقون قصائدهم في هذه الاجتماعات الكبرى ، كما يلقي كبارُ خطباء العرب وفصحاؤهم خطباً قوية ، وأحاديث في غاية الفصاحة والبلاغة ، وكان اليهودُ والنصارى والوثنيون يعرضون معتقداتهم في هذه المناسبات من دون خوف أو وجل.
ولكنَ هذه الحرمة قد هُتكت أربعَ مرات في تاريخ العرب ، وتقاتلت القبائلُ العربية فيما بينها في هذه الأشهر الحرم ، ولهذا سُمِّيت تلك الحروب بحروب « الفجار » ، وفي ما يلي نشير إليها على نحو الاجمال :
ووقعت الحربُ فيها بينَ قبيلتي « كنانة » و « هوازن » وجاء في سبب نشوب
__________________
١ ـ يُستفاد من قوله تعالى في الآية ٣٦ من سورة التوبة : « إنَّ عِدَّة الشّهور عِندَ اللّه اثنا عَشَر شَهْراً في كِتابِ اللّه يَوْم خلَقَ السَّماواتِ والأَرْض مِنْها أربعةٌ حُرُم » أن تحريم القتال في هذه الأشهر الأربعة كان ذا جذور دينية ، وكانت العرب الجاهلية تحترم هذه الأشهر اتباعاً لسُنّة « إبراهيم الخليل » عليهالسلام.