من رجوت وجوده منزّه عن العدم ، ويا من دوام بقائه متّصف بالأحديّة والقدم ، ويا من هدانا السبيل إلى ما يزلفنا برضوانه ، وعرّفنا الدليل إلى ما يتحفنا بجنانه ، ونصب لنا أعلاماً يهتدي بها الحائر عن قصد السبيل في معتقده ونحلته ، وأثبت لنا في سماء الصباح إيضاح بيانه أنجماً ينجو بنورها السائر بغير دليل في ظلمة حيرته ، وجعلهم خاصّة نفسه من عباده ، وولاة أمره في بلاده ، لذّتهم في امتثال أوامره ونواهيه ، وفرحتههم فيما يقرّبهم من حضرته ويرضيه ، وكلّفهم بالتكاليف الشاقّة من جهاد أعدائه ، وألزمهم بكفّ أكفّ الملحدين في صفاته وآلائه.
فبذلوا وسعهم في إعلاء كلمته ، وأجهدوا جهدهم إذعاناً لربوبيّته ، وقابلوا بشرائف وجوههم صفاح الأعداء ، وتلقّوا بكرائم صدورهم رماح الأشقياء ، حتى قطعت أوصالهم ، وذبحت أطفالهم ، وسبيت ذراريهم ونساؤهم ، واُنهبت أثقالهم وأموالهم ، واُهديت إلى رؤوس البغاة رؤوسهم ، واستلّت بسيوف الطغاة نفوسهم ، وصارت أجسادهم على الرمضاء منبوذة ، وبصوارم الأعداء موقوذة (١) ، تسفي (٢) عليهم الأعاصير بذيولها ، وتطأهم الأشقياء بخيولها ، وتبكي عليهم السموات السبع بأفلاكها ، والأرضون السبع بأملاكها ، والبحار ببينانها ، والأعصار بأزمانها ، والجنّة بولدانها ، والنار بخزّانها ، والعرش بحملته ، والفرش بحملته ، أبدانهم منبوذة بالعراء ، وأرواحهم منّعمة في الرفيق الأعلى.
أسألك بحقّ ما ضمّت كربلاء من أشباحهم ، وجنّة المأوى من أرواحهم ،
__________________
١ ـ الوقذ : شدّة الضرب. « لسان العرب : ٣ / ٥١٩ ـ وقذ ـ ».
٢ ـ سَفَتِ الريح التراب تسفيه سَفياً ، إذا أذرَته. « صحاح الجوهري : ٦ / ٢٣٧٧ ـ سفى ـ ».