فقام الحسن عليهالسلام ، فقال : أيّها الناس ، إنّكم قد أكثرتم في أمر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وإنّما بعثناهما (١) ليحكما بكتاب الله فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسمّ حكماً ولكنّه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إن أفضى (٢) بها إلى بعد الله بن عمر ، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها ، وفي أنّه لم يستأمره ، وفي أنّه لم يجتمع عليه الأنصار والمهاجرون الذين نفذوها لمن بعده ، وإنّما الحكومة فرض من الله ، وقد حكّم رسول الله صلىاللهعليهوآله سعداً في بني قريظة لحكم فيهم بحكم الله لا شكّ فيه ، فأنفذ رسول الله صلىاللهعليهوآله حكمه ولو خالف ذلك لم يجزه ، ثمّ جلس.
ثمّ قال أمير المؤمنين عليهالسلام لابن عبّاس : قم فتكلّم.
فقام ، وقال : أيها الناس ، إنّ للحقّ أهلاً أصابوه بالتوفيق والناس بين راضٍ به وراغب عنه ، وإنّما بعث عبد الله بن قيس لهدىً من ضلالة ، وبعث عمرو لضلالة من هدى (٣) ، فلمّا التقيا رجع عبد الله عن هداه وثبت عمرو على ضلالته ، والله لئن حكما بالكتاب لقد حكما عليه ، وإن حكما بما اجتمعا عليه معاً ما اجتمعا على شيء ، وإن كانا قد حكما بما سارا إليه لقد سار عبد الله وإمامه عليّ ، وسار عمرو وإمامه ومعاوية ، فما بعد هذا من غيب ينتظر ، ولكنّهم سئموا الحرب وأحبّوا البقاء ، ودفعوا البلاء ، ورجا كلّ قوم صاحبهم.
____________
١ ـ في المناقب : بعثا.
٢ ـ في المناقب : أوصى.
٣ ـ في المناقب : بهدى إلى ضلالة ... بضلالة إلى الهدى.