وبحقّ ألوانهم الشاحبة في عراها ، وأوداجهم الشاخبة (١) في ثراها ، وبما ضمّ صعيدها من قبورهم وظرائحهم ، وما غيّب في عراصها من أعضائهم وجوارحهم ، وبحقّ تلك الوجوه التي طال ما قبّلها الرسول ، وأكرمتها البتول ، وبحقّ تلك الأبدان التي لم تزل تدأب في عبادتك ، وتكدح في طاعتك ، طالما سهرت نواظرها بلذيذ مناجاتك ، وأظمأت هواجرها طلباً لمرضاتك ، شاهدت أنوار تجلّيات عظمتك بأبصار بصائرها ، ولاحظت جلال ربوبيّتك بأفكار ضمائرها ، فأشرقت أنوار إلهيّتك على مرايا قلوبها ، فأضاءت الأكوان بانعكاس أشعّة ذلك النور الّذي هو كمال مطلوبها.
أن تصلّي على محمد وآل محمد ، وان تجعل قلوبنا معمورة بحبّهم ، وأنفسنا مسرورة بقربهم ، وألسنتنا بذكر مناقبهم ناطقة ، وأبداننا بنشر فضائلهم عانقة ، ومدائحنا إلى نحو جهاتهم موجّهة ، وقرائحنا بمعاني صفاتهم مفوّهة ، وشكرنا موقوفاً على حضرة رفعتهم ، وذكرنا مصروفاً إلى مدحة عظمتهم ، لانعقد سواهم سبيلاً موصلاً إليك ، ولا نرى غير حبّهم سبباً منجياً لديك ، نرى كلّ مجد غير مجدهم حقيراً ، وكلّ غنيّ بغير ولاتهم فقيراً ، وكلّ فخر سوى فخرهم زوراً ، وكلّ ناطق بغير لسانهم زخرفاً وغروراً ، وكلّ عالم بغير علمهم جاهلاً ، وكلّ إمام يدّعي من دونهم باطلاً.
فلك الحمد على ما اطّلعنا عليه من سرّك المصون بعرفان فضلهم ، وأهلّنا له من علمك المخزون بالاستمساك بحبلهم.
__________________
١ ـ في حديث الشهداء : أوداجهم تَشخُبُ دماً ، قيل : هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح « لسان العرب : ٢ / ٣٩٧ ـ ودج ـ ».