مقدّمة المؤلّف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل مصائب دار الغرور مصروفة إلى وجوه أوليائه ، ونوائب بطشها المشهور موقوفة على جهة أصفيائه ، ووعدهم على الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه ، وأراهم فضل درجة الشهادة في منازل دار السعادة الباقية ببقائه ، فبذلوا أرواحهم لينالوا الزلفى من رحمته ، وباعوا أنفسهم من الله بنعيم جنّته ، وتلقّوا حدود الصّفاح (١) بشرائف وجوههم ، وقابلوا رؤوس صدور الرماح بكرائم صدورهم ، فكوّرتهم وقد أظلم ليل نقع (٢) الحرب ، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، وكفر القتام (٣) شمس النهار بركامه ، وغمر الظلام فجاج الأقطار بغمامه ، وخشعت الأصوات لوقع الصرام على هامات الرجال ، وأشرقت الأرض بما سال عليها من شآبيب الجريال (٤) ، فلم تر الا رؤوساً تقطف ، ونفوساً تختطف ، وأبطالاً قد صبغت
__________________
١ ـ هي السيوف العريضة.
٢ ـ النَّقْعُ : رفع الصوت.
٣ ـ الكَفرُ : التغطية والقَتامُ : الغبار.
٤ ـ الجِريال : صبغ أحمر ، وجِريال الذهب : حمرته. « لسان العرب : ١١ / ١٠٩ ـ جرل ـ ».