وأما أنه لماذا لم يغرس سوى نخلة واحدة ، فلعله يرجع إلى أنه حين رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ينهى سلمان عن أن يغرس شيئاً منها ، فانه قد تردّد في ذلك ، وحاذر من أن يتعرض لغضب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وانكاره .. ثم تشجع أخيراً ، وجرب حظه في نخلة واحدة .. الامر الذي تفرد فيه دون سائر الصحابة الآخرين ، ولم يقدم عليه لا أبو بكر ، ولا غيره .. وقد يكون السبب في ذلك هو أنه لم يكن في حوزته سوى هذه النخلة.
ولكن قد شاءت الارادة الإلهية : أن يحفظ ناموس النبوة ، وأن تخيب كل الطموحات ، وتتحطم كل الآمال ، التي تريد أن تنال من ذلك الناموس ، أو تستفيد منه في مسارٍ انحرافي آخر ، لا يلتقي معه ، ولا ينتهي إليه. وتجلى هذا اللطف الالهي في أن النخل قد اثمر كله ، سوى هذه ، حتى أعاد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غرسها بيده الشريفة من جديد ، فظهرت البركات ، وتجلت الكرامة الإلهية ..
وقد جاء في بعض روايات عتق سلمان : أنه كان لامرأة اسمها خليسة ، كانت قد اشترته ، ثم بعد أن أسلم سلمان أرسل إليها رسول الله (ص) علياً عليهالسلام ، يقول لها : أما أن تعتقي سلمان ، واما أن اعتقه ؛ فان الحكمة تحرمه عليك.
فقالت له : قل له : إن شئت ، اعتقته ، وإن شئت فهو لك.
قال رسول الله : اعتقيه أنت ؛ فاعتقته.
قال : فغرس لها رسول الله (ص) ثلاث مائة فسيلة ..
وفي لفظ آخر : فقالت : ما شئت ؛ فقال : اعتقته .. (١).
__________________
(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ واسد الغابة ج ٥ ص ٤٤٠ والاصابة ج ٤ ص ٢٨٦ عن ابن