دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

الثالث عشر : أنه لا شبهة (١) في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل

______________________________________________________

ليقين المسلم بارتفاعها بالنسخ ؛ وإلّا فليس بمسلم ، فلا مجال لاستصحاب الكتابي لا لإلزام خصمه ، ولا لإقناع نفسه ، مع أن الدليل لا بد أن يكون للإلزام أو الإقناع.

٦ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ جريان الاستصحاب حكما وموضوعا في القسم الأول من الأمور الاعتقادية.

٢ ـ جريانه حكما لا موضوعا في القسم الثاني من الأمور الاعتقادية.

٣ ـ عدم صحة تمسك الكتابي بالاستصحاب لإلزام المسلم ولا لإقناع نفسه.

في عدم جريان الاستصحاب مع الدليل الاجتهادي

(١) يعني لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب مع الدليل الاجتهادي ؛ إذ لا يجري الأصل العملي مع الدليل الاجتهادي كما قرر في محله.

في دوران الأمر بين التمسك بالعام واستصحاب حكم المخصص

الغرض من عقد هذا التنبيه : هو أنه إذا خرج فرد من أفراد العام في زمان ، وشك فيه بعد ذلك الزمان ، فهل يجري الاستصحاب أم يتمسك فيه بالعام؟

وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام فنقول : إن موضوع الكلام فيه ما إذا ورد عام مطلق من حيث الزمان ؛ بأن دل على استمرار الحكم في جميع الأزمنة إلى الأبد ، ثم خصص بعض أفراده في زمان معين ؛ وشك بعد انقضاء الزمان الخاص في حكم الفرد الخاص في أنه محكوم بحكم الخاص أم لا؟ فهل يرجع على العموم أو إلى الاستصحاب حكم المخصص؟ ذهب إلى كل جماعة.

ولا يخفى : أن انعقاد هذا البحث ليس من جهة ملاحظة التعارض بين العموم والاستصحاب ، فإن الاستصحاب أصل عملي لا مجال للرجوع إليه مع وجود الدليل من عموم أو إطلاق ، ولا مانع من الرجوع إليه إن لم يكن هناك دليل.

بل انعقاد البحث إنما هو لتعيين موارد الرجوع إلى العموم وتمييزها عن موارد التمسك بالاستصحاب فيقال : هل المرجع فيه عموم العام أم استصحاب حكم الخاص؟

فالإشكال والخلاف إنما هو في الصغرى بعد الاتفاق في الكبرى.

إذا عرفت ما هو محل الكلام في المقام فاعلم : أن في هذه المسألة أقوالا منها :

«ما عن المحقق الثاني : من التمسك بالعموم مطلقا.

ومنها : استصحاب حكم الخاص كذلك كما عن السيد بحر العلوم «قدس‌سره».

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : التفصيل بين المخصص اللبي واللفظي بالتمسك بالعام في الأول ، وبالاستصحاب في الثاني كما عن صاحب الرياض «قدس‌سره» ..» (١).

ومنها : التفصيل بين العموم الاستغراقي والعموم المجموعي بالرجوع إلى العموم في الأول ، وإلى الاستصحاب في الثاني.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين العموم الاستغراقي والعموم المجموعي.

وحاصل الفرق بينهما : هو أن الحكم يكون متعددا بتعدد الأفراد الطولية في العموم الأزماني ، وكل حكم غير مرتبط بالآخر امتثالا ومخالفة ؛ كوجوب الصوم ثلاثين يوما ، كما أن الأمر في الأفراد العرضية كذلك ، فإنه إذا قال المولى : أكرم العلماء مثلا يكون الحكم متعددا بتعدد أفراد العلماء الموجودين في زمان واحد ، ولكل حكم إطاعة ومعصية وامتثال ومخالفة.

هذا بخلاف العموم المجموعي حيث يكون هناك حكم واحد مستمر ؛ كوجوب الإمساك من طلوع الفجر إلى المغرب ، فإنه لا يكون وجوب الإمساك تكليفا متعددا بتعدد آنات هذا اليوم.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إن كان العموم من القسم الأول ، فالمرجع بعد الشك هو العموم ؛ لأنه بعد خروج أحد الأفراد عن العموم ، لا مانع من الرجوع إليه لإثبات الحكم لباقي الأفراد ، وإن كان من القسم الثاني ، فالمرجع هو الاستصحاب ؛ لأن الحكم واحد على الفرض وقد انقطع يقينا ، وإثباته بعد الانقطاع يحتاج إلى دليل ، ومقتضى الاستصحاب بقاء حكم المخصص. هذا غاية ما يقال في توضيح ما اختاره الشيخ «قدس‌سره» من التفصيل.

يقول المصنف ردا على تفصيل الشيخ : إن مجرد كون العموم الأزماني من قبيل العموم المجموعي لا يكفي في الرجوع إلى الاستصحاب ؛ بل لا بد من ملاحظة الدليل المخصص أيضا ، فإن أخذ الزمان فيه بعنوان الظرفية ، كما أنه بطبعه ظرف لما يقع فيه كالمكان ، فلا مانع من التمسك بالاستصحاب ، وإن كان الزمان مأخوذا على نحو القيدية ، فلا يمكن التمسك بالاستصحاب ؛ لأنه مع فرض كون الزمان قيدا للموضوع يكون إثبات الحكم في زمان آخر من إسراء حكم ثابت لموضوع إلى موضوع آخر ، وهو

__________________

(١) منتهى الدراية ٧ : ٦٨٥.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قياس محرّم ، فلا بد من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال حسب ما يقتضيه المقام.

هذا كله على تقدير كون العموم على نحو العموم المجموعي.

وأما إن كان العموم على نحو العموم الاستغراقي ، فالمتعين الرجوع إلى العام إن لم يكن له معارض ، وإلّا فيتمسك بالاستصحاب إن كان الزمان في الدليل المخصص مأخوذا بنحو الظرفية ، وإن كان مأخوذا بنحو القيدية ، لا يمكن التمسك بالاستصحاب أيضا ، فلا بد من الرجوع إلى أصل آخر ، فتكون الصور على ما ذكره المصنف أربع :

الأولى : أن يكون العام من قبيل العموم الاستغراقي ، مع كون الزمان مأخوذا في دليل التخصيص بنحو الظرفية.

الثانية : هي الأولى مع كون الزمان مأخوذا على نحو القيدية. وحكمها الرجوع إلى العام مع عدم المعارض ، وإلا فيرجع إلى الاستصحاب في الصورة الأولى ، وإلى أصل آخر في الصورة الثانية.

الثالثة : أن يكون العموم من قبيل العام المجموعي مع كون الزمان ظرفا.

الرابعة : هي الثالثة مع كون الزمان قيدا ، وحكمهما الرجوع إلى الاستصحاب في الثالثة ، وإلى أصل آخر في الرابعة ، وتشتركان في عدم إمكان الرجوع إلى العام فيهما إلا فيما إذا كان التخصيص من الأول ؛ كتخصيص (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) بخيار المجلس ، وهو قوله «عليه‌السلام» : «فإذا افترقا وجب البيع» (٢) ، فيصح في مثله الرجوع إلى العام ؛ لعدم كون التخصيصي في هذه الصورة قاطعا لاستمرار الحكم حتى يكون إثبات الحكم بعده محتاجا إلى الدليل ، فيرجع إلى استصحاب حكم الخاص ؛ بل التخصيص يوجب كون استمرار الحكم بعد هذا الزمان ، فيتعين الرجوع إلى العام بعد زمان التخصيص ، بخلاف ما إذا كان التخصيص في الوسط ، كخيار الغبن على ما هو المعروف من كون مبدأه زمان الالتفات إلى الغبن ، فإن التخصيص قاطع للاستمرار. وإثبات الحكم بعده يحتاج إلى دليل.

وكيف كان ، فحاصل الكلام : أن تقسيم الشيخ «قدس‌سره» يكون ثنائيا ، نظرا إلى فرض العام استغراقيا تارة ومجموعيا أخرى.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٠ / جزء من ح ٧ ، تهذيب الأحكام ٧ : ٢٠ / جزء من ح ٨٦ ، الوسائل ١٨ : ٦ / جزء من ح ٢٣٠١٤.

٨٣

العام (١) ؛ لكنه (٢) ربما يقع الإشكال (٣) والكلام فيما إذا خصص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان (٤) مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام.

والتحقيق (٥) أن يقال : إن مفاد العام تارة : يكون ـ بملاحظة ...

______________________________________________________

وأما تقسيم المصنف : فيكون رباعيا نظرا إلى فرض الزمان في الخاص ظرفا تارة ، وقيدا أخرى. وحاصل ضرب الاثنين في الاثنين أربعة. ثم ما أفاده المصنف أولى مما أفاده الشيخ ؛ لكونه جامعا لجميع الصورة.

هذا تمام الكلام فيما أفاده المصنف في المقام. توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) لكونه دليلا اجتهاديا حاكما على الأصول التي منها الاستصحاب ، والتعبير بالمثل للإشارة إلى عدم خصوصية للعام ؛ بل كل دليل اجتهادي وإن كان إطلاقا أو إجماعا يقدم على الاستصحاب وغيره من الأصول العملية.

(٢) هذا هو المطلب الأصلي الذي عقد هذا التنبيه لبيانه ، وقد تقدم : أن في التمسك بالعموم أو الاستصحاب بعد الزمان الذي خصص فيه العام أقوالا ، وقد عرفت تلك الأقوال.

(٣) منشأ الإشكال هو : أن التخصيص هل يسقط العام عن الحجية رأسا ؛ بحيث يمنع عن أصالة العموم مطلقا؟ أم لا يسقطه كذلك؟ أم يسقطه في الجملة؟

قوله : «في أن» متعلق ب «يقع».

(٤) أي : زمان التخصيص كزمان اطلاع المغبون على الغبن في خيار الغبن.

(٥) اعلم : أن تفصيل المصنف «قدس‌سره» في هذا التنبيه بفرض صور أربع ناظر إلى كلام الشيخ في التنبيه العاشر ، حيث إنه اقتصر على بيان صورتين : إحداهما : ظرفية الزمان لاستمرار حكم العام. وثانيتهما : قيديته الموجبة لتكثر أفراد العام.

ونكتفي بتوضيح المتن ونقول : إن الدليل الدال على ثبوت حكم الموضوع عام إما أن يتكفل لثبوته في جميع الأزمنة كقوله : «أكرم العلماء دائما» ، وإما أن يتكفل لثبوته في زمان خاص كقوله : «أكرم العلماء إلى أن يفسقوا» ، بناء على اعتبار مفهوم الغاية ، وإما أن لا يتكفل للحكم في الزمان الثاني نفيا وإثباتا ، إما لإجماله كما إذا أمر بالجلوس إلى الليل وتردد مبدؤه بين استتار القرص وذهاب الحمرة ، أو لقصور دلالته كقوله : «الماء إذا تغير تنجس» ؛ لعدم دلالته على بقاء النجاسة وارتفاعها بعد زوال التغيير.

وحكم هذه الصور واضح ، فالمرجع في الأولين نفس الدليل ؛ لدلالته على العموم

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأزماني كما في الصورة الأولى ، وعلى الاختصاص بزمان العدالة في الصورة الثانية ، كما أن الاستصحاب هو المرجع في الصورة الثالثة.

إنما الكلام فيما إذا ورد عموم أفرادي يتضمن العموم الأزماني بدليل لفظي أو بمقدمات الحكمة ، وخرج بعض الأفراد في بعض الأزمنة عن العموم ، ولم يتكفل الدليل الخاص لكيفية خروجه وأنه خرج في بعض الأزمنة أو في جميعها ، فهنا صور يرجع في بعضها إلى العام ، وفي بعضها إلى استصحاب حكم المخصص ، وفي بعضها إلى حجة أخرى غير العام والاستصحاب.

توضيحه : أن خطاب العام الدال على ثبوت الحكم لكل فرد من أفراده إن كان الزمان مأخوذا فيه قيدا ؛ بحيث يكون لكل فرد في كل قطعة من ذلك الزمان حكم مستقل ، كما إذا قال : «أكرم العلماء من هذا اليوم إلى عشرة أيام» ، وكان للعام عشرة أفراد ، كان إكرام كل واحد منهم في كل يوم واجبا مستقلا غير مرتبط بإكرامه في يوم آخر ، فإكرام زيد في اليوم الأول فرد من العام ، وإكرامه في اليوم الثاني فرد آخر منه وهكذا ، ولكل إكرام إطاعة ومعصية تخصه ، فيحصل في المثال مائة فرد مثلا للعام ، ويكون عموم العام شاملا لجميع هذه الأفراد في عرض واحد ، وينحل إليها على حد سواء ، غايته : أن عموم العام بالنسبة إلى ذوات العلماء عموم أفرادي ، وبالقياس إلى قطعات الزمان عموم أزماني.

وإن كان الزمان مأخوذا فيه ظرفا محضا ؛ بحيث يكون الحكم الثابت لكل فرد حكما واحدا مستمرا من أول حدوثه إلى آخر اليوم العاشر ، فيكون للعام العموم الأفرادي خاصة دون الأزماني ، فالإكرامات في المثال المتقدم عشرة بناء على الظرفية ، كما أنها مائة بناء على القيدية بلحاظ قطعات الأزمنة. وهذا التفصيل هو الذي اختاره الشيخ. والمصنف أجرى فرض ظرفية الزمان وقيديته في ناحية المخصص أيضا. فمثل : «لا تكرم زيدا يوم الجمعة» يحتمل فيه كل من التقييد والظرفية ، فيحصل من قسمي المخصص مع قسمي العام أربعة أقسام.

وعليه : فصور المسألة أربع ، فيؤخذ الزمان تارة : قيدا لكل من العام والخاص كقوله : «الجلوس في المسجد في كل آن واجب ، والجلوس في وقت الزوال ليس بواجب». وأخرى : ظرفا للحكم فيهما كقوله : «يجب دائما إكرام العلماء ، ولا يجب أبدا إكرام زيد العالم». وثالثة : قيدا للعام وظرفا للخاص كقوله : «أكرم العلماء في كل آن ، ولا

٨٥

الزمان (١) ـ ثبوت (٢) حكمه لموضوعه على الاستمرار والدوام.

وأخرى (٣) : على نحو جعل كل يوم من الأيام فردا لموضوع ذلك العام ، وكذلك مفاد مخصصه تارة (٤) : يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه (٥) ، وأخرى (٦) : على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه : فإن كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الأول (٧) : فلا محيص عن استصحاب حكم

______________________________________________________

تكرم زيدا النحوي يوم السبت». وعلم من الخارج أن السبت ظرف لعدم وجوب إكرامه لا قيد له. ورابعة : عكس ذلك ؛ بأن يكون الزمان ظرفا للعام وقيدا للخاص كقوله : «أكرم العلماء مستمرا ، ولا تكرم العالم البصري في شيء من الأيام». وسيأتي في كلام المصنف أحكام هذه الصور.

(١) الذي يكون بطبعه ظرفا للزماني كالمكان الذي هو ظرف للمكاني ، وتحتاج قيديته ثبوتا وإثباتا إلى مئونة زائدة.

(٢) بالنصب خبر «يكون» ، وجملة «يكون» مع خبرها خبر «أن» ، و «على نحو» متعلق ب «ثبوت» ، يعني : ثبوت الحكم لموضوعه يكون بنحو الاستمرار والدوام ، وضميرا «حكمه ، لموضوعه» راجعان إلى العام والمستتر في «يكون» الذي هو اسمه راجع إلى «مفاد». وهذا إشارة إلى كون الزمان ظرفا لا قيدا مفردا للعام ، فإكرام كل فرد من أفراد العلماء في جميع الأزمنة يكون فردا واحدا لا أفرادا بتعدد الأزمنة.

(٣) معطوف على «تارة» ، وهذا إشارة إلى قيدية الزمان ومفرديته للعام.

(٤) متعلق ب «مفاد» يعني : وكذلك التحقيق أن يقال : «إن مفاد مخصصه ...» الخ ، وضمير «مخصصه» راجع إلى العام.

(٥) يعني : لم يلاحظ في الزمان إلّا ما هو مقتضى طبعه من الظرفية وهذا هو القسم الأول من المخصص ، فزيد العالم مثلا الخارج عن عموم «أكرم العلماء» فرد واحد في جميع الأزمنة.

(٦) معطوف على «تارة» ، وهذا إشارة إلى القسم الثاني من المخصص ، وهو كون الزمان مفردا فيه ، وقد تقدم مثاله. وضمير «موضوعه» راجع على «مخصصه».

(٧) هذا شروع إلى حكم القسم الأول ، وهو كون الزمان في كل من العام والخاص مأخوذا ظرفا لاستمرار الحكم ؛ بحيث لا مدخلية للزمان فيه أصلا ، والحكم فيه بعد زمان الخاص هو الرجوع إلى استصحاب الخاص ، فإذا خرج وجوب إكرام زيد في يوم الجمعة عن وجوب إكرام العلماء ، وشك بعد يومها في وجوب إكرام زيد وعدمه يستصحب

٨٦

الخاص في غير مورد دلالته (١) ؛ لعدم (٢) دلالة للعام على حكمه ؛ لعدم (٣) دخوله على حدة في موضوعه ، وانقطاع (٤) الاستمرار بالخاص (٥) الدال على ثبوت الحكم له في

______________________________________________________

حكم الخاص وهو عدم الوجوب ، ولا يتمسك بعموم العام ؛ إذ ليس الفرد الخارج إلا فردا واحدا ، وليس متعددا بتعدد الأزمنة حتى يقال : إن المتيقن هو تخصيص العام بفرد واحد ، والشك في تخصيصه بعد زمان الخاص شك في تخصيصه بفرد آخر ، وهو من صغريات الشك في التخصيص الزائد الذي يرجع فيه إلى العام.

كما لا يتشبث بالخاص ؛ لعدم كون الزمان مأخوذا فيه إلّا بنحو الظرفية ، فلا يدل إلّا على انتفاء الحكم في زمانه وهو يوم الجمعة ، ولا يدل على حكم ما بعده نفيا وإثباتا ، فلا بد من الرجوع فيه إلى الأصل وهو الاستصحاب.

(١) أي : دلالة الخاص ، والمراد بغير مورد : دلالته هو ما بعد زمان الخاص.

(٢) تعليل لقوله : «فلا محيص» يعني : أن الرجوع إلى الاستصحاب دون العام إنما هو لأجل عدم دلالة العام على حكم الخاص بعد الزمان المعلوم ، حيث إن دلالته عليه منوطة بأمرين : أحدهما : كون الخاص بعد ذلك الزمان فردا مستقلا للعام وموضوعا على حدة لحكمه. والآخر : بقاء حكمه وعدم انقطاع استمراره. والمفروض : انتفاء كليهما.

أما الأول : فلفرض عدم كون الزمان مفردا للعام حتى يكون الخاص بعد زمان التخصيص فردا مستقلا للعام. وأما الثاني : فلانقطاع استمراره في الزمان المعلوم وهو زمان الخاص ، ومع عدم دلالة العام على حكمه بعد الزمان المعلوم وكذا الخاص ـ إذ المفروض : عدم دلالته أيضا إلّا على ارتفاع الحكم في الزمان المفروض ظرفا له أيضا ـ لا محيص عن الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص ؛ لاجتماع شرائطه من اليقين والشك والحكم الشرعي ولو نفيا.

(٣) تعليل ل «لعدم دلالة» ، وإشارة إلى الأمر الأول المذكور بقولنا : «أحدهما : كون الخاص ...» الخ. وضميرا : «دخوله ، حكمه» راجعان إلى الخاص ، وضمير «موضوعه» راجع إلى العام.

(٤) معطوف على «عدم» وإشارة إلى الأمر الثاني المتقدم بقولنا : «والآخر بقاء حكمه وعدم انقطاع استمراره ...» الخ.

(٥) الباء للسببية ، والمجرور متعلق ب «انقطاع». وضمائر «له ، دلالته ، لاستصحاب» راجعة إلى الخاص.

٨٧

الزمان السابق (١) ، من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق ، فلا مجال (٢) إلا لاستصحابه.

نعم (٣) ؛ لو كان الخاص غير قاطع لحكمه ...

______________________________________________________

(١) أي : في زمان الخاص من دون دلالته على ثبوت حكم الخاص في الزمان اللاحق ، وهو زمان الشك في ثبوت حكم الخاص أو العام ، وضمير «ثبوته» راجع إلى «الحكم».

(٢) هذه نتيجة تعليل عدم جريان الاستصحاب ، لكن الإيجاز الذي يهتم به المصنف «قدس‌سره» يقتضي حذفه ؛ للاستغناء عنه بقوله : «فلا محيص» الذي هو جواب قوله : «فإن كان».

(٣) هذا استدراك على ما أفاده في القسم الأول بقوله : «فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته».

ومحصل هذا الاستدراك ـ الذي هو تقييد لحكم الشيخ بمرجعية استصحاب حكم المخصص فيما كان الزمان ظرفا للعام ـ هو : تعيّن الرجوع إلى العام فيما كان التخصيص في الابتداء أو الانتهاء دون الأثناء.

وبيانه : أن عموم وجوب الوفاء بكل عقد قد يخصص بدليل خياري المجلس والحيوان مما يكون متصلا بالعقد ومانعا من لزومه من أوّل زمان وقوعه ، وقد يخصص بدليل خيار الغبن بناء على دلالته على ثبوت الخيار من زمان العلم به ؛ إذ لو دل على انكشافه بالعلم لكان كخيار المجلس ونحوه متصلا بالعقد.

فإن كان الخاص مخصصا للعام من أول الأمر كخياري المجلس والحيوان والقبض في المجلس في بيع الصرف حيث يكون مبدأ تشريع حكم العام وهو اللزوم بعد زمان دلالة الخاص ، فمبدأ وجوب الوفاء بعد افتراق المتابعين في خيار المجلس ، وبعد انقضاء ثلاثة أيام في خيار الحيوان ، وبعد حصول القبض في بيع الصرف ، فالمرجع في مورد الشك بعد زمان الخاص هو عموم العام لا استصحاب حكم الخاص ، فإذا افترق المتبايعان عن مجلس البيع بمقدار شبر مثلا وشك في بقاء خيار المجلس ، أو شك بعد مضي ساعة من ثلاثة أيام في بقاء خيار الحيوان أو من حصول القبض في بيع الصرف ، فاللازم التمسك بعموم أوفوا والحكم بلزوم البيع ، ولا يتشبث بالاستصحاب ، وذلك لدلالة عموم وجوب الوفاء بكل عقد بالإضافة إلى كل فرد من أفراده على أمرين :

أحدهما : ثبوت وجوب واحد مستمر للوفاء ، أخذا بمقتضى ظرفية الزمان للعام.

٨٨

ـ كما (١) إذا كان مخصصا له من الأول ـ لما ضرّ به في غير مورد دلالته ، فيكون (٢) أوّل زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته (٣) ، فيصح (٤) التمسك ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

______________________________________________________

وثانيهما : كون مبدأ ثبوت هذا الحكم الوحداني أول زمان وجود الموضوع كزمان تحقق عقد البيع في الخارج ، وهو مقتضى إطلاق وجوب الوفاء بكل عقد ، ومن المعلوم : أن الخاص كدليل خيار المجلس إذا كان مخصصا في الابتداء كان مانعا عن دلالة العام على الثاني ويقدم عليه ؛ لتقدم كل خاص على عامه ، وأما دلالة العام على الأول فلا مانع لها ، فاللازم الأخذ به ، فيفيد أن الاستمرار يبتدئ من بعد المجلس.

(١) بيان لكون الخاص غير قاطع لاستمرار حكم العام ؛ بأن يكون مانعا عن حدوث حكم ، وضميرا «حكمه ، له» راجعان إلى العام. «لما ضرّ به» جواب «لو» يعني : لو كان الخاص مخصصا للعام من الأول لما ضرّ الخاص بالعام في غير مورد دلالة الخاص عليه ، فيتمسك بعموم العام لا باستصحاب حكم الخاص ؛ كما إذا ورد «أكرم العلماء تمام الشهر» ، ثم قال : «لا تكرم زيدا في اليوم الأول» ، فيتمسك بالعام لإكرام زيد من اليوم الثاني إلى آخر الشهر لدلالة الخاص على أن مبدأ هذا الإكرام الوحداني المستمر من اليوم الثاني لا الأول. وكذا الحال إذا ورد المخصص في الأخير ، كما إذا قال : «لا تكرم زيدا في اليوم الأخير من الشهر» ، فالعام حجة من أول الشهر إلى ما قبل اليوم الأخير.

(٢) هذا نتيجة كون الخاص مخصصا للعام من أول الأمر ، وحاصله : أن هذا التخصيص الابتدائي يوجب أن يكون مبدأ زمان تشريع حكم العام بعد زمان دلالة الخاص ، فيكون أوّل زمان وجوب الوفاء بالعقد بعد افتراق المتعاقدين عن مجلس البيع ، وبعد ثلاثة الحيوان ، حيث إن عموم وجوب الوفاء قد خصص بخياري المجلس والحيوان ، ففي زمانيهما ـ وهما زمانا كونهما في المجلس والأيام الثلاثة في الحيوان ـ لا يجب الوفاء بالعقد لكونهما زماني دلالة الخاص عليهما.

(٣) أي : دلالة الخاص ، وضمير «حكمه» راجع إلى العام.

(٤) هذا متفرع على كون الخاص مخصصا للعام من الأول وحاصله : أنه في صورة تخصيص العام من الأوّل يتشبث في زمان الشك ـ وهو غير زمان دلالة الخاص ـ بعموم العام لا باستصحاب حكم الخاص ؛ لما مر آنفا من أن للعام عموما أزمانيا ، كما أن له عموما أفراديا ، فالشك فيما بعد زمان التخصيص شك في التخصيص الزائد في عمومه الأزماني ، فكما يتشبث بالعام في الشك في التخصيص الزائد في عمومه الأفرادي ، فكذلك يتمسك به في الشك في التخصيص الزائد في عمومه الأزماني.

٨٩

ولو خصص بخيار المجلس ونحوه (١) ، ولا يصح (٢) التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوّله (٣) ، فافهم.

______________________________________________________

(١) كخيار الحيوان وخيار الغبن بناء على ثبوته حين العقد ، وكون العلم بالغبن كاشفا عنه لا شرطا له.

(٢) معطوف على «يصح التمسك» يعني : يصح التمسك باوفوا ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص أوفوا بخيار لا في أوّله بل في أثنائه ؛ بأن انقطع استمرار وجوب الوفاء كتخصيصه بخيار الشرط ـ المشروط بعد مضي مدة من لزوم العقد ـ للمتعاقدين أو لأحدهما ، وبخيار التأخير المتحقق فيما إذا باع شيئا ولم يقبض الثمن ولم يسلم المبيع ، فإنه يلزم البيع ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحق بالسلعة ؛ وإلّا فللبائع الخيار في فسخ البيع ، وبعد انقطاع اللزوم لا يصح التمسك بعد الثلاثة باوفوا لانقطاع حكمه. ففرق بين التخصيص في الأول وبينه في الأثناء ، وهو : أن إطلاق دليل اللزوم بحسب الزمان وإن كان مقتضيا لثبوت اللزوم من الأول ؛ إلّا إن الخاص منعه عن ذلك بمقدار دلالته وأما في غير ذلك المقدار كزمان افتراق المتعاقدين فلا مانع منه ، ويكون هذا الزمان مبدأ ثبوت حكم العام.

وهذا بخلاف التخصيص في الأثناء ، فإنه قاطع لاستمرار حكمه ، والمفروض : أن الزمان ظرف لا قيد له حتى يكون الموضوع أو المتعلق فردا مستقلا كي يرجع الشك في خروجه عن العام إلى الشك في التخصيص الزائد ويتمسك فيه بالعام ؛ بل لا محيص حينئذ عن الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص.

(٣) يعني : لا في أوّل العقد كخيار المجلس ؛ بل في أثنائه كالخيارات الحادثة بعد العقد. ونظيره في التكليفيات ما إذا ورد : «أكرم العلماء تمام الشهر ، ولا تكرم زيدا في اليوم الخامس عشر» ، فلا دلالة للعام على حكم إكرام زيد في ما بقي من الشهر ؛ لانقطاع الحكم الواحد بسبب ورود الخاص في الأثناء.

قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى أنه بناء على ظرفية الزمان لكل من العام والخاص ـ كما هو المفروض ـ لا فرق بين تخصيص العام من الأول وبين تخصيصه في الأثناء في عدم حجية العام فيما بعد زمان التخصيص ؛ لما قد يقال تارة : من امتناع التمسك بالعام مطلقا إذا كان الحكم واحدا شخصيا لا واحدا نوعيا ؛ إذ كما يمتنع تقييده في الأثناء حذرا من لزوم الخلف ؛ لاستلزام بقائه بعد التخصيص تعدد الحكم والمفروض وحدته ، فكذا يمتنع تقييده في الأول ؛ لامتناع تبعّض البسيط ، لفرض : أن المجعول حكم واحد شخصي ،

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا الواحد الحقيقي كما يستحيل تعدده كذلك يستحيل تبعّضه. وعليه : فلا فرق في امتناع التقييد بين الابتداء والأثناء ، ولو قيّد امتنع التمسك بالعام الدال على استمرار حكم واحد شخصي لكل فرد من أفراده.

وأخرى : من الفرق بين استفادة العموم والاستمرار من دليل خارجي ، واستفادته من نفس دليل الحكم ، فإنه على الأول يتجه التفصيل بين التخصيص في الأثناء والابتداء ، كما إذا دل العموم على إثبات الحكم للفرد في الجملة ، ودل دليل آخر على استمراره ، بأن يقول الجاعل : «إن حكم الفرد الثابت بالعموم مستمر» ، فإذا خصص حكم هذا الفرد من الأول جاز الرجوع إلى العموم ؛ لدلالة التخصيص على أن هذا الحكم الواحد المستمر ثابت للفرد بعد زمان التخصيص ، بخلاف تخصيصه في الأثناء ؛ لانقطاع الاستمرار.

بخلافه على الثاني أعني : ثبوت الاستمرار بنفس الدليل الأول الدال على ثبوت أصل الحكم كما في المقام ؛ لاستفادة اللزوم والاستمرار معا من آية وجوب الوفاء بالعقود ، ولا فرق في امتناع التمسك بالعام بين ورود التخصيص من الأول وفي الوسط ؛ لأن الحكم المستمر المدلول عليه بالآية الشريفة قد انقطع ، والمصنف يعترف بأن الحكم لو انقطع احتاج إثباته إلى دليل ، ولا يكفي الدليل الأوّل لإثباته.

وفي هامش «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٦٩٦» ما هذا لفظه : «لكن الظاهر متانة تفصيل الماتن بين الابتداء والأثناء ، واندفاع كلا الإشكالين ، أما أولهما : فبأن المفروض : تكفل العام لأحكام شخصية لموضوعات كذلك. وإطلاق كل واحد من هذه الأحكام الشخصية يقتضي اتصاله بنفس زمان انعقاد العقد ، وورود المخصص في الابتداء يزاحم هذا الإطلاق ويقدم عليه لأقوائيته ، ونتيجة الجمع بين الدليلين : أن مبدأ هذا الواحد الشخصي هو ما بعد زمان دلالة الخاص من دون لزوم تبعّض البسيط أصلا ، وإنما يتأخر هذا البسيط عن زمان الخاص إلى زمان افتراق المتبايعين أو غيره ، وهذا بخلاف التخصيص في الأثناء فإنه قاطع لاستمرار الحكم.

وأما ثانيهما : فبما ذكرناه في توضيح كلام المصنف «قدس‌سره» ، فإن دليل أصل لزوم العقد واستمراره وإن كان هو الآية الشريفة لا غيرها ؛ إلا إن دليل وجوب الوفاء هو الآية المباركة ، ودليل اعتبار اتصال اللزوم بالعقد هو إطلاقها الأزماني ، وحينئذ : فالفرق بين دليلي خياري المجلس والغبن هو : أن الأول مانع عن الحكم المستمر ، والثاني رافع استمرار الحكم ، ومن المعلوم : أن قاطع الاستمرار ورافعه يكون بعد ثبوت أصل الحكم ؛

٩١

وإن كان مفادهما (١) على النحو الثاني (٢) فلا بد من التمسك بالعام بلا كلام ؛ لكون (٣) موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان (٤) من أفراده ، فله (٥) الدلالة على

______________________________________________________

إذ لو لم يجب الوفاء من أول الأمر لم يصدق قطع الاستمرار ورفعه ، فلا يجوز التمسك بالعام في التخصيص في الأثناء. بخلاف التخصيص في الأول فإنه مانع عن أصل الحكم المستمر ، فمدلول الآية هو الحكم المستمر ، وهذا المستمر يتأخر مبدؤه عن العقد إلى التفرق عن مجلس المعاملة ، وعليه : فلا يرد على المصنف ما أفيد من الفرق بين ثبوت الاستمرار بنفس الدليل وغيره».

(١) معطوف على قوله : «فإن كان مفاد كل من العام والخاص» ، وإشارة إلى القسم الثاني من الأقسام الأربعة ، وهو كون الزمان قيدا لكل من العام والخاص ، ومحصله : أن الزمان إن كان قيدا لكل منهما كما إذا وجب الجلوس في كل آن في المسجد ، ثم خرج منه الجلوس في الساعة الأولى من النهار مثلا ، فلا بد حينئذ من التمسك بالعام في غير مورد دلالة الخاص عليه كالساعة الثانية من النهار ، بداهة : أن الجلوس فيها فرد آخر للعام يشك في خروجه ، فيتمسك بالعام لكونه شكا في التخصيص الزائد ؛ إذ المفروض : أن للعام عموما أزمانيا كعمومه الأفرادي كما تقدّم توضيحه في شرح قوله : «والتحقيق». وضمير «مفادهما» راجع إلى العام والخاص.

(٢) وهو كون الزمان مقيدا لكل من العام والخاص.

(٣) تعليل لقوله : «فلا بد من التمسك بالعام».

وحاصل التعليل : أن العام يدل على حكم كل ما ثبتت فرديته له بنحو من أنحاء الدلالة ، فقولنا : «كل مستطيع يجب عليه الحج» يشمل كل فرد من أفراد المستطيع ، وإذا خرج عنه فرد لمرض أو غيره لا يضر ذلك بدلالته على وجوب الحج على سائر الأفراد. ففي المقام إذا كان الزمان مفردا ومقيدا للعام لا يضر خروج فرد منه في زمان بدلالة العام على حكمه في غير زمان الخاص ؛ إذ المفروض : فردية ذلك الزمان أيضا للعام ، فيشمله حكمه فالمراد بالحكم هو العام.

(٤) أي : ما بعد زمان الخاص ، فإن الجلوس في الساعة الثانية ـ في المثال المزبور ـ أيضا من أفراد الجلوس في كل آن ، فيتمسك بالعام أعني : قوله : «اجلس في كل آن في المسجد».

(٥) هذا متفرع على فردية ما بعد زمان الخاص للعام ؛ إذ لازم فرديته له دلالة العام عليه كدلالته على سائر أفراده ، وضمير «فله» راجع إلى العام ، وضمير «حكمه» راجع

٩٢

حكمه ، والمفروض (١) : عدم دلالة الخاص على خلافه.

وإن كان (٢) مفاد العام على النحو الأول (٣) والخاص على النحو الثاني (٤) : فلا (١)

______________________________________________________

إلى «موضوع» المراد به ما بعد زمان الخاص كالجلوس في الساعة الثانية.

(١) غرضه : أن المقتضي لكون ما بعد الخاص محكوما بحكم العام ـ وهو دلالة العام عليه ـ موجود ، والمانع عنه مفقود ؛ إذ المانع لا بد أن يكون هو الخاص ، وذلك منحصر بمقدار دلالته وهو زمان الخاص كالساعة الأولى في المثال المزبور ، وليس له دلالة على خلاف العام فيما بعد زمان الخاص ، لعدم المفهوم لدليل الخاص.

وعليه : فلا مانع من دلالة العام على حكم ما بعد الخاص ، وضمير «خلافه» راجع إلى «العام» ويمكن رجوعه إلى «حكمه».

(٢) معطوف على «فإن كان» وإشارة إلى القسم الثالث من الأقسام الأربعة وهو ما إذا كان الزمان ظرفا للعام وقيدا للخاص ، وحاصله : أنه لا يرجع فيه إلى العموم كما لا يجري فيه الاستصحاب ، فلا بد في تعيين الوظيفة من الرجوع إلى حجة أخرى.

أما عدم مرجعية العام فيه : فلفرض ظرفية الزمان لاستمرار حكم وحداني لكل واحد من أفراده ، وقد انقطع هذا الحكم بورود المخصص الذي كان الزمان قيدا له.

وأما عدم جريان استصحاب حكم الخاص فيه : فلتعدد الموضوع ؛ حيث إن زمان الخاص فرد مغاير لما بعده من الزمان ، فاستصحاب حكم الموضوع الواقع في زمان خاص إلى الموضوع الواقع بعد زمان الخاص تسرية موضوع آخر مغاير للموضوع الأول ، وهذا أجنبي عن الاستصحاب الذي هو إبقاء حكم ثبت لموضوع قطعا في ظرف الشك في بقاء ذلك الحكم ؛ إذ لا يصدق هذا إلا مع وحدة الموضوع في حالتي اليقين والشك ، فمع تعدد الموضوع يكون قياسا ، لا استصحابا ، مثلا : إذا ورد «أكرم العلماء دائما» بنحو يكون الزمان ظرفا محضا لاستمرار حكم كل واحد من أفراده ، ثم ورد «لا تكرم زيدا يوم الجمعة» مع كون الزمان قيدا له ـ لدخله في ملاك النهي عن إكرامه ـ ففي يوم السبت وما بعده لا يتمسك بالعام ، لانقطاع حكمه ، ولا باستصحاب حرمة الإكرام ، لكون موضوعه لتقيده بالزمان مغايرا لحرمة الإكرام في يوم آخر على تقدير حرمته فيه ، ومن المعلوم : أجنبية ذلك عن الاستصحاب المتقوم بوحدة الموضوع ، بل وبوحدة المحمول أيضا.

(٣) وهو كون الزمان ظرفا للعام لا قيدا ومفردا له.

(٤) وهو كون الزمان قيدا ومفردا للخاص.

٩٣

مورد للاستصحاب ، فإنه (٢) ، وإن لم يكن هناك دلالة أصلا (٣) إلّا (٤) إن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته من (٥) إسراء حكم موضوع إلى آخر ، لا استصحاب (٦) حكم الموضوع.

______________________________________________________

(١) جواب «وإن كان» ، وقد عرفت : وجه عدم موردية الخاص للاستصحاب وهو تعدد الموضوع ، ضرورة : أنه مع قيدية الزمان للخاص يكون الموضوع المقيد بزمان الخاص مغايرا للموضوع المقيد بغير زمان الخاص ، ومن المعلوم : تقوم الاستصحاب بوحدة الموضوع ، وعدم جريانه مع تعدده كما تقدم آنفا.

(٢) الضمير للشأن ، وغرضه : أن عدم جريان استصحاب الخاص في هذا القسم ليس لأجل وجود دليل اجتهادي حاكم عليه ؛ إذ المفروض : عدمه ، حيث إنه دائر بين العام والخاص ، ومن المعلوم : عدم دلالة شيء منهما على حكم ما بعد زمان الخاص.

أما العام : فلانقطاع استمرار حكمه بالخاص ، وعدم كون ما بعد الزمان فردا آخر للعام حتى يدل على حكمه ؛ إذ المفروض : كون الزمان ظرفا للعام لا مفردا له.

وأما الخاص : فلعدم دلالته إلّا على خروج خصوص المقيد بزمانه عن العام ، فلا يدل على خروج فرد آخر وهو ما بعد زمانه ، فالدلالة في ناحية كل من الخاص والعام مفقودة.

(٣) أي : لا للعام ولا للخاص بشيء من الدلالات الثلاث كما مر آنفا.

(٤) غرضه : بيان المانع عن جريان استصحاب حكم الخاص بعد نفي مانعيّة دليلي العام والخاص : لعدم دلالتهما على حكم ما بعد زمان الخاص.

ومحصل ما أفاده في وجه عدم جريان الاستصحاب هو : تعدد الموضوع ضرورة : أنه بعد فرض مفردية الزمان للخاص يكون الموضوع في غير زمان الخاص مغايرا لما هو الموضوع في زمانه ، فالجلوس في الساعة الأولى التي هي زمان الخاص في المثال المذكور ـ غير الجلوس في الساعة الثانية التي هي بعد زمان الخاص ، ومع تعدد الموضوع يخرج عن باب الاستصحاب ، ويندرج في القياس الذي يحرم استشمام رائحته عندنا. وضمير «دلالته» راجع إلى الخاص.

(٥) متعلق ب «انسحاب» وتسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر قياس لا استصحاب حكم موضوع واحد لا يختلف إلّا بحسب زماني اليقين والشك.

(٦) معطوف على «إسراء» ، يعني : أن انسحاب حكم الخاص إلى غير مورد دلالته يكون من تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر ، لا من استصحاب حكم موضوع واحد.

٩٤

ولا مجال (١) أيضا للتمسك بالعام ؛ لما مر (٢) آنفا ، فلا بد من الرجوع إلى سائر الأصول.

وإن كان (٣) مفادهما على العكس (٤) : كان (٥) المرجع هو العام للاقتصار (٦) في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص ؛ ولكنه (٧) لو لا دلالته لكان الاستصحاب مرجعا ؛

______________________________________________________

(١) عطف على «فلا مورد للاستصحاب» ، يعني : لا مورد للاستصحاب ولا مجال أيضا للتمسك بالعام ، فلا بد من الرجوع إلى غير الاستصحاب من الأصول العملية ، وهو في المقام أصالة البراءة ، حيث إنه يشك بعد الزوال في وجوب الجلوس ، ومن المعلوم : أن مرجع الشك في التكليف أصل البراءة.

(٢) في القسم الأول ، حيث قال : «لعدم دلالة للعام على حكمه ؛ لعدم دخوله على حدة في موضوعه ، وانقطاع الاستمرار بالخاص».

(٣) عطف على «فإن كان» ، وهو إشارة إلى القسم الرابع أعني : ما إذا كان الزمان مفردا للعام ظرفا للخاص ، والمرجع حينئذ في غير مورد دلالة الخاص هو العام ؛ إذ المفروض : أن ما بعد زمان الخاص فرد أيضا من أفراد العام ، ويشك في تخصيصه زائدا على التخصيص المعلوم ، وقد قرر في محله مرجعية العام في الشك في التخصيص الزائد كمرجعيته في الشك في أصل التخصيص ، ومع دلالة العام على حكم غير مورد دلالة الخاص لا مجال لاستصحاب حكم الخاص أصلا ؛ لعدم جريان الأصل مع الدليل.

(٤) وهو مفردية الزمان في العام وظرفيته للخاص.

(٥) جواب «وإن كان». وضمير «مفادهما» راجع إلى العام والخاص.

(٦) تعليل لمرجعية العام في هذه الصورة ، وحاصله : الاقتصار في تخصيص العام على القدر المتيقن ، وهو مقدار دلالة الخاص ، ففي غيره يرجع إلى العام ، لكونه شكا في التخصيص الزائد ، وضمير «تخصيصه» راجع على العام.

(٧) الضمير للشأن يعني : ولكن لو لا دلالة العام على حكم ما بعد زمان الخاص لكان استصحاب حكم الخاص مرجعا في هذه الصورة ؛ إذ المفروض : ظرفية الزمان له المستلزمة لوحدة الموضوع في مورد دلالة الخاص وغيره الموجبة لعدم كون الاستصحاب فيه تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر ، حتى يكون قياسا لا استصحابا ، ولذا يرجع إليه إذا ابتلى العام بمانع ، كما إذا كان له معارض أو علم إجمالا بتخصيصه بين مورد الشك وغيره ، وغير ذلك مما يوجب سقوط أصالة العموم عن الحجية ، كما إذا ورد «أكرم العلماء كل يوم» وخصصه بقوله : «لا تكرم زيدا يوم الجمعة» ، وكان المنهي عنه

٩٥

لما (١) عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو (٢) صح استصحابه ، فتأمل تعرف أن إطلاق كلام شيخنا العلامة «أعلى الله مقامه» في المقام نفيا (٣) وإثباتا في غير محله.

______________________________________________________

أصل الإكرام لا خصوصية وقوعه في يوم الجمعة حتى يكون الزمان قيدا له ، ثم قال : لا يجب إكرام العلماء فيسقط العامان بالتعارض. ويستصحب حكم الخاص أعني : الحرمة.

(١) تعليل لاستصحاب حكم الخاص ، وحاصله : «كما مر آنفا : أن مقتضى ظرفية الزمان في الخاص صحة استصحاب حكمه في غير مورد دلالته ؛ لوحدة الموضوع في زماني الخاص وما بعده ، لكن العام مانع عن جريانه ، لدلالته على حكم ما بعد زمان الخاص.

(٢) المراد بهذا النحو : هو ظرفية الزمان الخاص لا قيديته له ؛ إذ مع الظرفية لا تنثلم وحدة الموضوع ، فيصح الاستصحاب فيما بعد زمان الخاص ، ومع القيدية تنثلم وحدته ويتعدد الموضوع ، ومع تعدده لا يجري الاستصحاب. وضمير «استصحابه» راجع إلى الحكم.

(٣) قال الشيخ الأنصاري : «الحق هو التفصيل في المقام بأن يقال : إن أخذ فيه عموم الأزمان أفراديا بأن أخذ كل زمان موضوعا مستقلا لحكم مستقل لينحل العموم إلى أحكام متعددة بتعدد الأزمان كقوله : «أكرم العلماء كل يوم» ، فقام الإجماع على حرمة إكرام زيد العالم يوم الجمعة ، ومثله ما لو قال : أكرم العلماء ، ثم قال لا تكرم زيدا يوم الجمعة ، إذا فرض أن الاستثناء قرينة على أخذ كل زمان فردا مستقلا ، فحينئذ : يعمل عند الشك بالعموم ولا يجري الاستصحاب. وإن أخذ لبيان الاستمرار كقوله : أكرم العلماء دائما ، ثم خرج فرد في زمان وشك في حكم ذلك الفرد بعد ذلك الزمان ، فالظاهر جريان الاستصحاب ؛ إذ لا يلزم من ثبوت ذلك الحكم للفرد بعد ذلك الزمان تخصيص زائد على التخصيص المعلوم ؛ لأن مورد التخصيص الأفراد دون الأزمنة ، بخلاف القسم الأول».

ومحصل كلامه في طرف النفي هو : أنه في صورة ظرفية الزمان للعام لا يرجع إلى العام في صورة الشك ومقتضى إطلاق حكمه بعدم مرجعية العام هو : عدم الفرق بين كون الزمان مأخوذا في الخاص ظرفا كالعام ، وكونه قيدا. كما أن مقتضى إطلاقه عدم الفرق أيضا بين كون الخاص مخصصا من الابتداء كخياري المجلس والحيوان ، ومن الأثناء كالخيارات الحادثة بعد العقد. وقد عرفت : أن المصنف اعترف بالإطلاق الأول وأنكر الإطلاق الثاني.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وادعى صحة الرجوع إلى العام إذا كان التخصيص من الأول ، وعدم صحته إذا كان التخصيص في الأثناء مع كون الزمان ظرفا ، فعدم صحة الرجوع إلى العام مع ظرفية الزمان مختص بالتخصيص في الأثناء ، هذا في إطلاق كلامه في طرف النفي.

وأما محصل كلامه في طرف الإثبات فهو : أن إطلاق الرجوع على استصحاب حكم الخاص فيما إذا كان الزمان ظرفا للعام يشمل ما إذا أخذ الزمان مفردا للخاص وإن كان ظرفا في العام. وهذا الإطلاق أيضا في غير محله ؛ لما عرفت من : أن مفردية الزمان توجب تعدد الموضوع في زمان الخاص وما بعده ، ومع هذا التعدد يخرج انسحاب حكم الخاص إلى غير زمانه عن الاستصحاب إلى القياس. فإطلاق كلامه في إثبات استصحاب حكم الخاص في غير محله ؛ بل لا بد من تقييده بما إذا أخذ الزمان ظرفا فيه لا قيدا ومفردا له ؛ وإلّا فلا يجري فيه الاستصحاب ، بل يرجع فيه إلى سائر الأصول العملية.

فالمتحصل : أن إطلاق كلامه «قدس‌سره» في نفي مرجعية العام مخدوش ؛ لأنه مرجع فيما إذا كان التخصيص من الابتداء أو في الانتهاء.

وكذا إطلاق كلامه في إثبات مرجعية الاستصحاب ؛ لما عرفت : من تقييد مرجعيته بما إذا كان الزمان ظرفا في الخاص ، وأما إذا كان قيدا له ـ وإن كان ظرفا للعام ـ فلا مجال لاستصحابه ؛ بل يرجع إلى سائر الأصول.

هذا كما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٧٠٣».

وهناك كلام طويل أضربنا عنه رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الغرض من هذا التنبيه هو : أنه إذا خرج فرد من أفراد العام في زمان وشك فيه بعد ذلك الزمان ، فهل يجري الاستصحاب أم يتمسك فيه بالعام؟

وقبل البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام فيقال : إن موضوع الكلام فيه ما إذا ورد عام مطلق من حيث الزمان ؛ بأن دل على استمرار الحكم في جميع الأزمنة إلى الأبد ، ثم خصص بعض أفراده في زمان معين وشك بعد انقضاء الزمان الخاص في حكم الفرد الخاص في أنه محكوم بحكم الخاص أم لا ، فهل يرجع إلى العموم أو إلى استصحاب حكم المخصص؟

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ذهب إلى كلّ جماعة ، فمرجع البحث إنما هو لتعيين موارد الرجوع إلى العموم وتمييزها عن موارد التمسك بالاستصحاب فيقال : هل المرجع فيه عموم العام أم استصحاب حكم الخاص؟

إذا عرفت ما هو محل الكلام في المقام فاعلم : أن في هذه المسألة أقوالا.

٢ ـ الأقوال فيها أربعة :

الأول : ما عن المحقق الثاني من التمسك بالعموم مطلقا.

الثاني : استصحاب حكم الخاص كذلك كما عن السيد بحر العلوم «قدس‌سره».

الثالث : التفصيل بين المخصص اللبّي واللفظي بالتمسك بالعام في الأول ، وبالاستصحاب في الثاني كما عن صاحب الرياض «قدس‌سره».

الرابع : التفصيل بين العموم الاستغراقي والعموم المجموعي بالرجوع إلى العموم في الأول ، وإلى الاستصحاب في الثاني كما عن الشيخ «قدس‌سره».

٣ ـ وتوضيح تفصيل الشيخ ، يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين العموم الاستغراقي والعموم المجموعي. وهو : أن الحكم يتعدد بتعدد الأفراد في العموم الاستغراقي ، فلكل حكم إطاعة ومعصية وامتثال ومخالفة ، هذا بخلاف العموم المجموعي حيث يكون هناك حكم مستمر كوجوب الإمساك من طلوع الفجر إلى المغرب ، فلا يكون وجوب الإمساك تكليفا متعددا بتعدد آنات هذا اليوم.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إن كان العموم من القسم الأول فالمرجع بعد الشك هو العموم ؛ لأنه بعد خروج بعض الأفراد عن العموم لا مانع من الرجوع إليه ؛ لإثبات الحكم لباقي الأفراد.

وإن كان في القسم الثاني : فالمرجع هو الاستصحاب ؛ لأن الحكم واحد على الفرض ، وقد انقطع يقينا ، وإثباته بعد الانقطاع يحتاج إلى دليل ومقتضى الاستصحاب بقاء حكم المخصص.

٤ ـ قول صاحب الكفاية ردّا على تفصيل الشيخ : بأن مجرد كون العموم الأزماني من قبيل العموم المجموعي لا يكفي في الرجوع إلى الاستصحاب ؛ بل لا بد من ملاحظة الدليل المخصص أيضا ، فإن أخذ الزمان فيه بعنوان الظرفية فلا مانع من التمسك بالاستصحاب ، وإن كان الزمان قيدا فلا يمكن التمسك بالاستصحاب ؛ لأن ذلك يكون

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

من إسراء حكم ثابت لموضوع إلى موضوع آخر وهو قياس محرم ، فلا بد من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال حسب ما يقتضيه المقام هذا على تقدير كون العموم مجموعيا.

وأما إذا كان العموم استغراقيا : فالمتعين فيه هو الرجوع إلى العام إن لم يكن له معارض ، وإلّا فيتمسك بالاستصحاب إن كان الزمان في الدليل المخصص ظرفا وإن كان قيدا لا يمكن التمسك بالاستصحاب أيضا ، فلا بد من الرجوع إلى أصل آخر.

٥ ـ الصور والاحتمالات على ما ذكره المصنف «قدس‌سره» أربع :

الأولى : أن يكون العام استغراقيا مع كون الزمان مأخوذا في دليل التخصيص بنحو الظرفية.

الثانية : هي الأولى مع كون الزمان مأخوذا على نحو القيدية.

وحكمها : الرجوع إلى العام مع عدم المعارض ؛ وإلّا فيرجع إلى الاستصحاب في الأولى ، وإلى أصل آخر في الثانية.

الثالثة : أن يكون العموم مجموعيا مع كون الزمان ظرفا.

الرابعة : هي الثالثة مع كون الزمان قيدا. وحكمهما هو الرجوع إلى الاستصحاب في الثالثة وإلى أصل آخر في الرابعة.

فالمتحصل : أن تقسيم الشيخ يكون ثنائيا نظرا إلى فرض العام استغراقيا تارة ، ومجموعيا أخرى.

وأما تقسم المصنف : فيكون رباعيا ، نظرا إلى فرض الزمان في الخاص ظرفا تارة ، وقيدا أخرى.

ثم ما أفاده المصنف أولى مما أفاده الشيخ لكونه جامعا لجميع الصور والاحتمالات.

٦ ـ إن خطاب العام الدال على الحكم لكل فردان كان الزمان قيدا ؛ لكل فرد إن كان الزمان قيدا كما إذا قال : «أكرم العلماء من هذا اليوم إلى عشرة أيام» ، وكان للعام عشرة أفراد ، كان إكرام كل واحد منهم في كل يوم واجبا مستقلا غير مرتبط بإكرامه في يوم آخر ، فيكون عموم العام شاملا لجميع هذه الأفراد في عرض واحد ، وينحل إليها على حد سواء.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

غاية الأمر : أن عموم العام بالإضافة إلى ذوات العلماء عموم أفرادي ، وبالقياس إلى قطعات الزمان عموم أزماني.

وإن كان الزمان فيه ظرفا فقط ؛ بحيث يكون الحكم الثابت لكل فرد حكما واحدا مستمرا من أوّل حدوثه إلى آخر اليوم العاشر ، فلا يكون للعام العموم الأزماني ؛ بل له العموم الأفرادي فقط.

فالإكرامات في المثال المذكور عشرة بناء على الظرفية ، كما أنها مائة بناء على القيدية بلحاظ قطعات الأزمنة.

وهذا التفصيل هو الذي اختاره الشيخ «قدس‌سره».

ولكن المصنف أجرى فرض ظرفية الزمان وقيديته في ناحية المخصص أيضا ، فمثل : «لا تكرم زيدا يوم الجمعة» يحتمل فيه كل من القيدية والظرفية ، فيحصل من قسمي المخصص مع قسمي العام أربعة أقسام. وسيأتي في كلام المصنف أحكام هذه الصور.

٧ ـ حكم ما إذا كان الزمان مأخوذا على نحو الظرفية في كل من العام والخاص كما أشار إليه بقوله : «فإن كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الأول» ؛ وهو كون الزمان في كل منهما مأخوذا ظرفا لاستمرار الحكم والحكم فيه بعد زمان الخاص هو الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص ، وهو عدم وجوب إكرام زيد في قولنا : «أكرم العلماء ولا تكرم زيدا العالم يوم الجمعة» ، ولا يتمسك بعموم العام ؛ إذ ليس الفرد الخارج إلّا فردا واحدا وليس متعددا بتعدد الأزمنة حتى يقال : إن المتيقن هو تخصيص العام بفرد واحد ، والشك في تخصيصه بعد زمان الخاص شك في تخصيصه بفرد آخر وهو من صغريات الشك في التخصص الزائد الذي يرجع فيه إلى العام. كما لا يتشبث بالخاص أيضا لعدم كون الزمان قيدا ؛ بل يكون ظرفا فقط ، فلا يدل إلّا على انتفاء الحكم في زمانه وهو يوم الجمعة ، ولا يدل على حكم ما بعده نفيا وإثباتا ، فلا بد فيه من الرجوع إلى الأصل وهو الاستصحاب.

حكم ما إذا كان الزمان قيدا لكل من العام والخاص ـ وهو القسم الثاني ـ وقد أشار إليه بقوله : «وإن كان مفادهما على النحو الثاني» وهو كون الزمان قيدا لكل من العام والخاص.

وحاصله : أن الزمان إن كان قيدا لكل منهما كما إذا وجب الجلوس في كل آن في المسجد ، ثم خرج منه الجلوس في الساعة الأولى من النهار مثلا ، فلا بد حينئذ من

١٠٠