دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

متصلا بزمان اليقين ؛ أو أنه يوم الجمعة كي يكون منفصلا عنه باتصال حدوث موت زيد به ، فإذا لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فلا مجال للاستصحاب حينئذ قال : «حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك ...» الخ.

وكيف كان ؛ فإن زمان الشك وهو زمان موت عمرو إذا كان يوم الجمعة ، وكان منفصلا عن زمان اليقين وهو يوم الأربعاء ، فقد تخلل بينهما موت زيد المعلوم بالإجمال ، فإذا احتمل تخلل المعلوم بالإجمال احتمل تخلل العلم قهرا ، فإن العلم تابع للمعلوم ؛ إذ حيثما كان المعلوم كان العلم هناك ، فإذا احتمل تخلل العلم احتمل نقض اليقين باليقين ؛ فتكون الشبهة مصداقية ، فلا يجري الاستصحاب أصلا.

وكيف كان ؛ فقد صارت هذه الصورة الرابعة مجالا للكلام ومحطا للنقض والإبرام.

وقد ذكر للمنع في جريان الاستصحاب فيه وجوه :

الوجه الأول : ما اختاره صاحب الكفاية «قدس‌سره» من عدم جريان استصحاب العدم ؛ لعدم إمكان التمسك بعموم دليل التعبد بالاستصحاب في المورد ؛ لكون الشبهة مصداقية ، وذلك لاعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين في جريان الاستصحاب.

والوجه في اعتبار اتصال المشكوك بالمتيقن زمانا هو : دخله في تحقق صدق النقض ؛ إذ بدون الاتصال لا يصدق النقض المنهي عنه.

بيان ذلك : أن النقض إنما يصدق في صورة ما إذا كان متعلق الشك ومتعلق اليقين أمرا واحدا ، مع إلغاء خصوصية الزمان الموجبة لتعلق الشك في البقاء واليقين بالحدوث ، بمعنى : إنه إذا غض النظر عن اختلاف المتعلقين زمانا كان أمرا واحدا ، وعند ذلك يصدق النقض عند عدم العمل بالمتيقن ، ومع انفصال زمان المشكوك عن زمان المتيقن لا يتحقق النقض ؛ لعدم كون المتيقن والمشكوك أمرا واحدا حتى مع إلغاء خصوصية الزمان ، فمثلا : لو علمنا بعدالة زيد عند الصباح ، ثم علمنا بفسقه حين الزوال ، ثم شككنا بعدالته بعد الزوال ، فالحكم بعدم عدالته بعد الزوال لا يعدّ نقضا لليقين بعدالته حين الصباح ولو مسامحة كي يشمله دليل «لا تنقض» ؛ لأن المشكوك غير المتيقن ، فالنقض لا يصدق بعد انفصال زمان الشك في عن زمان اليقين ؛ بل إنما يصدق في صورة اتصالهما.

وعليه : فلا بد من اعتبار الاتصال كي يصدق النقض في مورده ، فيكون مشمولا للنهي العام ، ولأجل ذلك لم تجر أدلة الاستصحاب مع الشك في الاتصال وعدمه ؛

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

للشك في صدق النقض حينئذ كي يشمله النهي ، وعدمه كي لا يشمله ، فتكون الشبهة مصداقية ، ويمتنع التمسك بالعموم فيها. وهنا كلام طويل تركناه رعاية للاختصار. وأضربنا عن ذكر سائر الوجوه لنفس الغرض.

وأما الموضع الثاني ـ وهو أن يكون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله ـ فله ما تقدم في مجهولي التاريخ من الصور :

١ ـ ما كان الأثر مترتبا على تقدم أحدهما أو تأخره أو تقارنه بنحو مفاد كان التامة ، وقد أشار إليه بقوله : «فلا يخلو أيضا إما يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن».

٢ ـ يكون الأثر مترتبا على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة.

٣ ـ يكون مترتبا على الحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو ليس الناقصة. وقد أشار إلى هاتين الصورتين أي : الثانية والثالثة بقوله : «وإما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا ...» الخ.

٤ ـ أن يكون الأثر مترتبا على عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس التامة ، وقد أشار إليه بقوله : «وإما يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر ...» الخ ، فها هنا صور أربع كما في الموضع الأول.

أما الصورة الأولى : فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم أي : عدم التقدم أو التأخر أو التقارن لو لا المعارضة باستصحاب العدم في الطرف الآخر ، أو المعارضة باستصحاب العدم في نفس هذا الطرف.

أما المعارضة باستصحاب العدم في نفس هذا الطرف فيما إذا كان الأثر لكل من تقدم هذا وتأخره وتقارنه ، فاستصحاب عدم كل يعارض باستصحاب عدم الآخر.

وأما المعارضة باستصحاب العدم في الطرف الآخر : فلأن الآخر وإن كان تاريخ حدوثه معلوما ؛ ولكن تقدمه على هذا أو تأخره عنه أو تقارنه معه غير معلوم ، فالأصل عدمه إذا كان الأثر مفروضا فيه أيضا ، فيتعارض الأصلان.

وأما الصورة الثانية والثالثة : فقد حكم فيهما بعدم جريان الاستصحاب ؛ لعدم اليقين السابق بعد فرض كون الأثر مترتبا على الحادث المتصف بكذا بنحو مفاد كان الناقصة ، كما في الثانية والثالثة من الموضع الأول عينا.

٢٢

حكم (١) أو موضوع (٢).

وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره (٣) بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان ،

______________________________________________________

وأما الصورة الرابعة : فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ من الحادثين ، دون معلوم التاريخ.

وأما الجريان في مجهول التاريخ : فلأن زمان الشك حينئذ وهو زمان حدوث معلوم التاريخ قد أحرز اتصاله بزمان اليقين ، وليس مردّدا بين زمانين كي لا يحرز اتصاله بزمان اليقين.

وأما عدم الجريان في معلوم التاريخ : فلعدم الشك فيه في زمان أصلا ، فإنه قبل حدوثه المعلوم لنا وقته تفصيلا لا شك في انتفائه ، وبعده لا شك في وجوده. وهذا واضح.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) كالشك في طهارة شيء بعد العلم بنجاسته ؛ كما إذا شك في طهارة ثوبه بعد غسله بدون العصر مثلا ، أو حصول حلية الذبيحة بتذكية الكتابي ، فإن استصحاب عدم طهارة الثوب وعدم حلية الذبيحة جار بلا مانع إن لم يجر فيها الأصل الموضوعي.

(٢) كالشك في موت غائب ، وغيره من الموضوعات ذوات الأحكام الشرعية ، فإنه لا إشكال في استصحاب عدم تحققه ؛ وترتيب آثار حياته من وجوب الإنفاق على زوجته ، وحرمة تقسيم أمواله وغيرهما من أحكام الحياة.

(٣) هذا الضمير وضمير «تقدمه» راجعان إلى «حكم أو موضوع».

وغرضه : أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في أصل الحدوث. وأما إذا كان الشك في كيفية حدوثه من التقدم والتأخر بعد القطع بأصل تحققه : فلا يحلو إما أن يلاحظ التقدم والتأخر بالنسبة إلى أجزاء الزمان ؛ كما إذا قطع بوجود زيد يوم الجمعة مثلا ، وشك في أن مبدأ وجوده كان يوم الخميس أو يوم الجمعة ، وإما أن يلاحظا بالإضافة إلى حادث آخر مع العلم بزمان تحققه ؛ كما إذا علم بولادة زيد يوم الجمعة ، وشك في تقدمها على وفاة عمرو وتأخرها عنها ، فهنا صورتان :

الصورة الأولى : هي لحاظ التقدم والتأخر بالإضافة إلى أجزاء الزمان ، ولا إشكال في جريان الاستصحاب في عدم تحقق الحادث في الزمان الأول ، وترتيب آثار عدمه في ذلك الزمان ، فإذا علم بكون زيد ميتا يوم الجمعة ، ولم يعلم أن حدوث موته كان فيه أو في الخميس ، فلا مانع من استصحاب عدم موته يوم الخميس وترتيب آثاره ؛ كوجوب الإنفاق على زوجته وحرمة تقسيم ماله بين وراثه وغير ذلك عليه ، دون الآثار المترتبة على

٢٣

فإن لوحظ (١) بالإضافة إلى أجزاء الزمان ، فكذا (٢) لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول (٣) وترتيب آثاره ؛ لا آثار (٤) تأخره عنه ؛ ...

______________________________________________________

تأخره عن يوم الخميس ؛ لكون تأخر حدوثه عن يوم الخميس لازما عقليا لعدم حدوثه يوم الخميس ، والاستصحاب لا يثبت اللازم العقلي ، ولا الأثر الشرعي المترتب عليه.

وكذا إذا علم بعدم إسلامه يوم الأربعاء ، وشك في حدوثه يوم الخميس أو يوم الجمعة ، فلا إشكال في استصحاب عدم إسلامه إلى يوم اليقين بوجوده وهو يوم الجمعة ، وترتيب آثار عدم حدوثه يوم الخميس ؛ لاجتماع أركان الاستصحاب فيه.

وأما آثار لازم عدم حدوث الإسلام يوم الخميس وهو حدوثه يوم الجمعة ، أو تأخر حدوثه عن يوم الخميس : فلا تترتب على استصحاب عدم إسلامه إلى يوم الجمعة ؛ وذلك لأن الحدوث ـ الذي هو أمر بسيط منتزع من الوجود المسبوق بالعدم ـ لازم عقلي للتعبد بعدم إسلامه يوم الخميس ، والمفروض : قصور أدلة الاستصحاب عن إثبات لوازم المستصحب العادية والعقلية وآثارها الشرعية كما عرفت تفصيله في التنبيه السابع.

وكذا الحال في التأخر ، حيث إنه أمر وجودي من مقولة الإضافة ، وهو لازم عقلي لاستمرار العدم المتيقن إلى يوم الجمعة ، وقد عرفت : عدم إثبات اللازم العقلي ولا الأثر الشرعي المترتب عليه بالاستصحاب.

الصورة الثانية : لحاظ التقدم والتأخر بالإضافة إلى حادث آخر ، وقد عرفت توضيحها وبيان صورها ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(١) أي : الشك في تقدم الحادث وتأخره ، لا في أصل حدوثه كما هو المفروض أولا.

(٢) يعني : فكالصورة الأولى وهي الشك في أصل الحدوث في عدم الإشكال في جريان الاستصحاب فيها ، وضمير «تحققه» راجع إلى «حكم أو موضوع».

(٣) كيوم الخميس في المثال المزبور ، وضمير «آثاره» راجع إلى «عدم».

(٤) معطوف على «آثاره» ، يعني : لا ترتيب آثار تأخر الحكم أو الموضوع عن الزمان الأول كيوم الخميس في المثال المذكور ، يعني : لو كان لتأخر الحادث عن يوم الخميس أثر شرعي لا يترتب ذلك الأثر على استصحاب عدم تحققه يوم الخميس ؛ وذلك لأن التأخر لازم عقلي لعدم حدوثه يوم الخميس ، وقد تحقق سابقا : أن الاستصحاب لا يثبت اللوازم العقلية ولا الآثار الشرعية المترتبة عليها. وضمير «عنه» راجع إلى الزمان الأول.

٢٤

لكونه (١) بالنسبة إليها مثبتا إلّا (٢) بدعوى : خفاء الواسطة ، أو عدم (٣) التفكيك في التنزيل بين (٤) عدم تحققه إلى زمان وتأخره عنه عرفا (٥) ، كما لا تفكيك بينهما واقعا ، ولا (٦) آثار حدوثه في الزمان الثاني ، ...

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «لا آثار تأخره عنه» ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «وذلك لأن وصف التأخر لازم عقلي لعدم حدوثه ، وضمير «لكونه» راجع إلى الاستصحاب ، وضمير «إليها» إلى «آثار تأخره».

(٢) استثناء من قدح مثبتية الأصل المثبت في موردين أحدهما : ادعاء خفاء الواسطة ، والآخر : امتناع التفكيك واقعا وظاهرا بين عدم الحدوث في الزمان الأول وبين تأخر حدوثه عنه.

أما الأول : فتقريبه أن يقال : إن آثار التأخر وإن كانت آثارا لنفس التأخر حقيقة ؛ إلّا إنها في نظر العرف آثار لعدم تحقق الحادث في الزمان الأول وهو يوم الخميس في المثال ، فالواسطة بين الآثار وبين عدم حدوث الحادث في الزمان الأول الثابت بالاستصحاب ـ وهي التأخر ـ خفيّة.

وأما الثاني ، فبيانه : أن الملازمة بين عدم الحدوث يوم الخميس مثلا وبين تأخر حدوثه عنه تكون بمثابة تمنع التفكيك بينهما حقيقة وتنزيلا ، يعني : كما أنه لا تفكيك بينهما واقعا كذلك لا تفكيك تنزيلا.

(٣) معطوف على «دعوى» ، وهذا إشارة إلى المورد الثاني ، وما قبله إشارة إلى المورد الأول.

(٤) هذا و «في التنزيل» متعلقان ب «تفكيك» ، وضميرا «تحققه ، تأخره» راجعان إلى «حكم أو موضوع».

(٥) قيد ل «تفكيك» ، يعني : لا تفكيك بينهما عرفا في مقام التنزيل كما لا تفكيك بينهما واقعا. ويجوز أن يكون قيدا للتنزيل ، يعني : لا تفكيك بينهما تنزيلا بنظر العرف ، كما لا تفكيك بينهما واقعا.

(٦) معطوف على «لا آثار تأخره» ، يعني : لا يجوز أيضا ترتيب آثار حدوث الحادث في الزمان الثاني وهو يوم الجمعة في المثال باستصحاب عدم حدوثه يوم الخميس ؛ وذلك لأن عنوان الحدوث الذي هو أول الوجود ملازم لعدم الوجود يوم الخميس ، ولا يثبت هذا العنوان بالاستصحاب حتى يترتب عليه آثاره الشرعية ، وضمير «حدوثه» راجع إلى

٢٥

فإنه (١) نحو وجود خاص.

نعم (٢) ؛ لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب (٣) بناء (٤) على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق (٥).

وإن لوحظ (٦) بالإضافة إلى حادث آخر : علم بحدوثه أيضا وشك في تقدم ذاك

______________________________________________________

«حكم أو موضوع».

(١) أي : فإن الحدوث في الزمان الثاني نحو وجود خاص ، وهذا تعليل لعدم ترتيب آثار الحدوث في الزمان الثاني كيوم الجمعة في المثال. وقد عرفت نحو الوجود الخاص للحدوث ، وأن استصحاب عدم الوجود يوم الخميس لا يثبت الحدوث بالمعنى المزبور ليترتب على الحدوث آثاره على القول بالأصل المثبت.

(٢) استدراك على قوله : «ولا آثار حدوثه».

وغرضه : جواز ترتيب آثار حدوث الحادث يوم الجمعة باستصحاب عدم حدوثه يوم الخميس ، بناء على كون الحدوث من الموضوع المركب لا المقيد ، بأن يقال : «إن الحدوث هو الوجود في زمان لاحق ، والعدم في زمان سابق» ، فإن علم بوجود حادث يوم الجمعة ، واستصحب عدمه يوم الخميس فقد أحرز الحدوث بكلا جزأيه ، أحدهما بالوجدان ، والآخر بالتعبد ، فيترتب الأثر الشرعي حينئذ على الحدوث من دون إشكال المثبتية.

(٣) أي : باستصحاب عدم الحدوث يوم الخميس.

(٤) قيد لقوله : «لا بأس بترتيب آثار الحدوث ، بناء على أن الحدوث عبارة ...» الخ. وضمير بترتيبها راجع إلى «آثار حدوثه».

(٥) هذا أحسن تعبير لتأدية الموضوع المركب ، ثم إن لازم تركّب الموضوع كون الأثر مترتبا على كلا جزأي الموضوع كما هو لازم جميع الموضوعات المركبة ، فمعنى آثار الحدوث حينئذ : آثار العدم السابق والوجود اللاحق ، نظير ترتب الضمان على الغصب المركب من الاستيلاء على مال وعدم إذن مالكه ، فإن ترتب هذين الأثرين على الغصب المحرز أحد جزأيه أعني : الاستيلاء بالوجدان ، والآخر وهو عدم الإذن بالاستصحاب لا يكون من الأصل المثبت أصلا.

(٦) معطوف على قوله : «فإن لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان». وهذا إشارة إلى الصورة الثانية ، وهي كون الشك في التقدم والتأخر ملحوظا بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا ، وشك في تقدم ذلك عليه وتأخره عنه.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم الحادثين المعلوم حدوثهما والمشكوك تقدم أحدهما على الآخر تارة : يكون تاريخ حدوث كليهما مجهولا ، وأخرى : يكون أحدهما معلوما والآخر مجهولا.

وأما إذا علم تاريخ كل منهما فهو خارج عن موضوع البحث ؛ لعدم تصور الشك حينئذ في التقدم والتأخر. فالكلام يقع في مقامين :

الأول : في مجهولي التاريخ.

والثاني : في كون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله وقد تقدم تفصيل الكلام في كلا المقامين ، ونكرر المقام الأول طبقا لما في منتهى الدراية حيث ذكر لكل قسم مثالا شرعيا ، فلا يكون التكرار خاليا من الفائدة ..

قال في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٦٠٠» ما هذا لفظه :

«أما المقام الأول : فأقسامه أربعة ؛ لأن الأثر الشرعي إما يترتب على الوجود المحمولي أو الوجود النعتي ، أو العدم المحمولي أو العدم النعتي ، ولا بأس ببيان الفارق بين هذه الأقسام فنقول : إن الوجود المحمولي هو نفس الوجود المحمول الأولي على الماهية ، وهو مفاد «كان» التامة ، حيث يكون فاعلها موضوعا للقضية ، ومفاد «كان» أعني : الوجود محمولا ، فمعنى «كان زيد» أنه موجود ، فزيد مبتدأ و «كائن» وما بمعناه من أسماء العموم خبره. وفي قبال هذا الوجود المحمولي العدم المحمولي الذي هو مفاد «ليس» التامة وإن لم تستعمل «ليس» في اللغة العربية إلّا ناقصة لقول ابن مالك : «والنقص في فتى وليس زال دائما قفي».

وعلى كل حال : فحمل المعدوم على الماهية هو المراد من العدم المحمولي مثل : «زيد معدوم».

والوجود الربطي هو مفاد «كان» الناقصة الواردة على المبتدأ والخبر والموجبة للربط بينهما كقولنا : «كان زيد قائما» ، حيث إن القيام المحمول على زيد أمر زائد على نفس وجوده ، والدال على هذا الربط هو الفعل الناقص ، وفي قبال هذا الوجود الربطي العدم الربطي الذي هو مفاد «ليس» الناقصة ، كقولنا : «زيد ليس بقائم» ، حيث إن مدلوله سلب ربط الاتصال بالقيام عن زيد.

ولا يخفى : أن التعبير عن الوجود بمفاد «كان» الناقصة بالوجود النعتي إنما يطلق على وجود العرض الذي هو موجود لنفسه في غيره بغيره ، إلّا إن وجوده المحمولي نعت للغير. وحيث إن النسب والارتباطات معان حرفية ولا استقلال لها في الوجود كما تقدم في

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المعاني الحرفية ـ والمفروض : أن مدلول الأفعال الناقصة إما إيجاد الربط وإما سلبه ـ فالأصح التعبير عن مفاد «كان» الناقصة بالوجود الربطي ، وعن مفاد «ليس» الناقصة بالعدم الربطي ، فالتعبير عنهما بالربطي جرى على اصطلاح بعض الأعاظم.

إذا عرفت هذا فلنشرع ببيان الأقسام الأربعة ونقول : القسم الأول هو ترتب الأثر على الوجود المحمولي وله صور : الأولى : أن يكون الأثر الشرعي مترتبا على وجود أحد الحادثين بنحو خاص من التقدم ، أو التأخر أو التقارن دون الحادث الآخر.

أما الأول فهو : كتقدم رجوع المرتهن عن الإذن على البيع ، وتقدم العيب على العقد ، فإن رجوع المرتهن عن إذنه قبل البيع يوجب بطلان البيع ، كما أن تقدم العيب على العقد يوجب بطلان الخيار ، ونحو ذلك من النظائر ، فإن أحد الحادثين وهو رجوع المرتهن وعيب المبيع في هذين المثالين لا يترتب عليه الأثر إلّا على وجوده بنحو خاص وهو التقدم على حادث آخر وهو البيع ؛ إذ لا أثر لرجوع المرتهن عن الإذن بعد البيع ، وكذا لا أثر لحدوث البيع في المبيع بعد البيع.

وأمّا الثاني : أعني : التأخر فهو : كملاقاة الثوب المتنجس للماء فإن أثر هذه الملاقاة وهي الطهارة مترتب على الملاقاة بنحو خاص ، وهو تأخرها عن كرّية الماء ، فلا أثر للملاقاة قبل حصول الكرية ، ولا مع التقارن بناء على ما يستفاد من ظاهر قوله «عليه‌السلام» : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء» (١) ، حيث إنه يستفاد من رجوع الضمير إلى الكر أن الماء المفروض كونه كرا لا ينفعل بالملاقاة ، فيعتبر في عدم تنجسه بالملاقاة سبق الكرية ، فصورة التقارن داخلة في المفهوم الدال على الانفعال ، وهذا الاستظهار مما أفاده أيضا الشيخ الأنصاري في طهارته (٢) ، ونظائر هذا المثال في الفقه كثيرة.

وأما الثالث : أعني : التقارن فهو كمحاذاة الرجل والمرأة في الصلاة ، مع وحدة زمان شروعهما في الصلاة ، فإن المانعية ـ بناء على القول بها ـ مترتبة على الحادثين وهما صلاتا الرجل والمرأة مع تقارنهما شروعا وعدم حائل بينهما ، ولا فصل عشرة أذرع كذلك. وكتقارن عقدي الأختين زمانا لرجل ، فإن بطلانهما مترتب على تقارنهما ؛ إذ مع اختلافهما زمانا يحكم بصحة المتقدم منهما وبطلان المتأخر ، فإن الأثر في هذين

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢ / ١ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٩ / ١٢ ، تهذيب الأحكام ١ : ٣٩ / ١٠٧ ، و ٤٠ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ، الاستبصار ١ : ٦ / ١ ـ ٣ ، الوسائل ١ : ١٥٨ / ٣٩١ ـ ٣٩٢.

(٢) كتاب الطهارة ١ : ١٥٤.

٢٨

عليه وتأخره عنه ؛ كما إذا علم بعروض حكمين (١) أو موت متوارثين (٢) ، وشك في المتقدم والمتأخر منهما ، فإن كانا مجهولي التاريخ فتارة : كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من (٣) التقدم أو التأخر أو التقارن (٤) لا للآخر (٥) ولا له (٦) بنحو آخر ، فاستصحاب (٧) عدمه صار بلا ...

______________________________________________________

المثالين مع تقارن الحادثين وهما العقدان هو البطلان ؛ إذ مع تقدم أحدهما على الآخر يحكم بصحة المتقدم منهما وبطلان المتأخر.

وحكم هذين القسمين جريان الاستصحاب في الحادث الذي يكون وجوده المحمولي موضوع الأثر ، فيستصحب عدم ذلك الوجود الخاص أو عدم تلك الخصوصية ، ويكون هذا الاستصحاب رافعا لموضوع الأثر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(١) كما إذا علم بصدور حكمين لموضوع يكون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا ، ولم يعلم تاريخهما حتى يؤخذ بالمتأخر الناسخ ، ويترك المتقدم المنسوخ

(٢) كموت أب وابن ، وتحقق جمعتين في أقل من فرسخ مع الجهل بتاريخ الموتين والجمعتين ، فإن تقارن موت المتوارثين مانع عن التوارث ، وكذا تقارن الجمعتين في أقل من ثلاثة أميال مانع عن صحتهما ، والمانعية أثر شرعي يترتب على تقارن الحادثين.

(٣) بيان ل «نحو خاص» ، وكذا قوله : «أو التأخر أو التقارن». وقوله : «كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما ...» الخ. إشارة إلى الصورة الأولى المذكورة بقولنا : «الأولى أن يكون الأثر الشرعي مترتبا على وجود أحدهما بنحو خاص ...» الخ.

(٤) وقد عرفت آنفا بعض الأمثلة للتقارن وضديه.

(٥) يعني : لا يكون الأثر الشرعي للحادث الآخر بأحد أنحاء وجوده من التقدم أو التأخر أو التقارن.

وغرضه : أن الحكم الشرعي مترتب على أحد الحادثين بأحد أنحاء وجوده ، وغير مترتب على الحادث الآخر أصلا.

(٦) يعني : ولا يترتب الأثر الشرعي على الحادث المذكور أولا بنحو آخر من أنحاء وجوده الثلاثة. هذا ما يظهر من العبارة ؛ لكن ليس هذا معنى صحيحا لها ، ضرورة : أنه ليس للوجود نحو آخر غير الأنحاء الثلاثة وهي التقدم وأخواه ، فحق العبارة أن تكون هكذا : «ولا له بجميع أنحائه» ، أو «ولا له بمطلق وجوده».

(٧) هذا حكم الصورة الأولى وهي كون الأثر الشرعي مترتبا على أحد الحادثين بنحو خاص من التقدم وأخويه بنحو الوجود المحمولي الذي هو مفاد «كان» التامة ، مع عدم ترتب الأثر على الحادث الآخر ، فإن الاستصحاب يجري في عدم الحادث بلا

٢٩

معارض (١) ، بخلاف ما إذا كان (٢) الأثر لوجود كل منهما كذلك (٣) ، أو لكل (٤) من أنحاء وجوده ، فإنه حينئذ (٥) يعارض ، فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد ،

______________________________________________________

معارض ؛ إذ لا أثر للحادث الآخر حتى يجري فيه الاستصحاب ويعارض ذلك الاستصحاب الجاري في الموضوع ذي الأثر الشرعي ، كما إذا كان أحد المتوارثين كافرا ، فإن استصحاب عدم موت مسلمهما إلى زمان موت الآخر الكافر جار ، ويترتب عليه الإرث وهو إرث المسلم منه ، ولا يجري استصحاب عدم موت الكافر إلى زمان موت المسلم ؛ لعدم أثر شرعي له حتى في ظرف العلم بتأخر موته عن موت المسلم ، حيث إن الكافر لا يرث المسلم.

وبالجملة : فالأصل في أحد طرفي المعلوم بالإجمال إن لم يترتب الأثر إلا على أحدهما.

(١) لما عرفت من عدم جريان الأصل في الحادث الآخر حتى يعارض ذلك الاستصحاب الجاري في الحادث الذي يترتب عليه الأثر. وضمير «عدمه» راجع إلى «أحدهما».

(٢) هذه هي الصورة الثانية أعني : ما إذا كان النحو الخاص في كل من الحادثين موضوع الأثر.

(٣) أي : بنحو خاص ؛ بأن يكون لتقدم كل منهما أو تأخره أو تقارنه أثر ، ففي هذه الصورة يكون لوجود كل من مجهولي التاريخ بنحو خاص أثر شرعي في قبال ما تقدم من كون الأثر لوجود أحدهما بنحو خاص. وضمير «منهما» راجع إلى الحادثين.

(٤) معطوف على «لوجود» ، وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة وهي ما إذا كان كل من الحادثين بجميع أنحاء وجوده ذا أثر شرعي. وضمير «وجوده» راجع على «كل منهما».

(٥) أي : ترتب الأثر على وجود كل من الحادثين بنحو خاص ، أو ترتب الأثر على كل واحد من أنحاء وجود كل منهما.

وغرضه : أنه في هاتين الصورتين لا مجال لجريان استصحاب العدم في شيء من الحادثين ؛ لمعارضته بمثله في الآخر ؛ إذ المفروض : ترتب الأثر الذي هو شرط جريان الاستصحاب على كلا الحادثين ، والمانع الخارجي ـ وهو العلم بكذب أحد الاستصحابين ـ يوجب سقوطهما عن الاعتبار ، فإنه لا يمكن التعبد الاستصحابي بعدم قسمة التركة إلى زمان إسلام الولد الكافر ، وبعد الإسلام إلى زمان القسمة. وضمير «فإنه» راجع إلى «استصحاب». ورعاية الإيجاز الذي يهتم به المصنف «قدس‌سره» تقتضي أن تكون

٣٠

للمعارضة (١) باستصحابه العدم في آخر لتحقق (٢) أركانه في كل منهما. هذا (٣) إذا كان الأثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة.

وأما (٤) : إن كان مترتبا على ما إذا كان متّصفا بالتقدم أو بأحد ...

______________________________________________________

العبارة هكذا :

«فإنه حينئذ يعارض ، فلا مجال له في واحد منهما مع تحقق أركانه في كل منهما».

(١) تعليل لقوله : «فلا مجال» ؛ لكنه مستغنى عنه بقوله : «يعارض» فإنه بمنزلة التعليل ل «فلا مجال» ، ولذا قرنه بفاء التفريع. وقوله : «في آخر» يراد به في حادث آخر.

(٢) تعليل لفردية كل من الحادثين لدليل الاستصحاب ووجود المقتضي لجريانه في كليهما ، غاية الأمر : أن المانع ـ وهو التعارض ـ أوجب سقوطهما عن الاعتبار.

(٣) أي : ما ذكرناه ـ من صحة جريان الاستصحاب وعدم صحته للتعارض ـ إنما هو فيما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على الوجود الخاص لأحد الحادثين أو كليهما وجودا محموليا له حالة سابقة تصحح الاستصحاب ، في مقابل الوجود النعتي الذي ليس له حالة سابقة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

والحاصل : أن ما أفاده من قوله : «فتارة : كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما» إلى قوله : «وأما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا ...» الخ ، فيرجع إلى صور ثلاث :

إحداها : ترتب الأثر على وجود أحد الحادثين بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن دون الحادث الآخر ، واستصحاب العدم يجري فيها بلا مانع.

ثانيتها : ترتب الأثر على وجود كل من الحادثين بنحو خاص من التقدم وأخويه.

ثالثتها : ترتب الأثر على كل من الحادثين بأنحاء وجوده.

والاستصحاب في هاتين الصورتين يسقط بالتعارض. وهذه الصور الثلاث مشتركة في كون الملحوظ فيها الوجود المحمولي الذي هو مفاد كان التامة ؛ بأن يكون موضوع الأثر الشرعي وجود الحادث كالإسلام مثلا يوم الجمعة ، فإن الحادث الزماني لا بد وأن يقع في زمان ، فإن وجد يوم الجمعة ترتب عليه الأثر وهو كونه وارثا ؛ وإلّا فلا يترتب عليه هذا الأثر. هذا كله في القسم الأول من الأقسام الأربعة لمجهولي التاريخ.

(٤) هذا إشارة إلى القسم الثاني من الأقسام الأربعة لمجهولي التاريخ.

ومحصل ما أفاده : أنه لا يجري فيه الاستصحاب إذا كان الأثر مترتبا على اتصافهما بالتقدم أو التأخر أو التقارن ؛ لا على نفس تلك الصفات التي هي عبارة عن خصوصية الوجود المتصف بها الذي هو مفاد كان التامة.

٣١

ضديه (١) الذي كان مفاد كان الناقصة (٢) ، ...

______________________________________________________

وبعبارة أخرى : قد يكون التقدم ونحوه عنوانا مشيرا للوجود كالخيط المحيط بشيء ، ويقال : إن الواقع تحت الخيط حكمه كذا ، من دون نظر إلى دخل الخيط في شيء من الحكم والموضوع ؛ بل النظر فيه مقصور على الحكاية عن الموضوع ، وقد يكون التقدم ونحوه نعتا للموضوع ؛ بحيث يكون لاتصاف الموضوع به دخل في الحكم ، ويدور الحكم مداره وجودا وعدما.

والأول : يكون من قبيل الوجود المحمولي الذي هو مفاد كان التامة ، والثاني : من قبيل الوجود النعتي الذي هو مفاد كان الناقصة. والوجه في عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم بجميع صوره من اعتبار التقدم ، والتأخر والتقارن ، وترتب الأثر على أحد الحادثين أو كليهما ليس لأجل تعارض الأصلين فيما إذا ترتب الأثر على كل من الحادثين ولا المثبتية ، بل لاختلال أوّل ركني الاستصحاب وهو اليقين السابق ، حيث إن اتصاف موت زيد بكونه مقدما على موت عمرو المفروض توارثهما غير متيقن سابقا حتى يستصحب وذلك لأن الموضوع وهو «موت زيد المتصف بكونه متقدما على موت عمرو» لم يكن متيقنا في زمان سابق حتى يتعبد ببقائه في ظرف الشك ، حيث إنه في حال حياة زيد لم يكن موت حتى يتصف بالتقدم على موت عمرو أو بالتأخر عنه ، وعدم اتصاف الموت بالتقدم ـ حال الحياة ـ إنما هو من السالبة بانتفاء الموضوع.

وأما التمسك باستصحاب العدم الأزلي كما في مثل قرشية المرأة بأن يقال : «إن موت زيد حال الحياة كما لم يكن بنفسه كذلك لم يكن وصفه أعني : تقدمه على موت عمرو ، وبعد حصول اليقين بموت زيد يشك في انتقاض عدم تقدمه ، فيستصحب كاستصحاب عدم قرشية المرأة بعد العلم بوجودها» فهو ممنوع ، للفرق بين المقام وعدم القرشية ؛ لأن مفروض الكلام : كون موضوع الأثر الشرعي اتصاف موت زيد بعدم تقدمه على موت عمرو ؛ لا عدم اتصافه بالتقدم ، ومن المعلوم : أن استصحاب العدم الأزلي إنما يثبت عدم الاتصاف بالتقدم ، ولا يثبت اتصاف موت زيد بعدم تقدمه على موت عمرو إلّا بناء على الأصل المثبت.

(١) وهما التأخر والتقارن ، وضمير «ضديه» راجع على التقدم.

(٢) وقد عرفت في مدخل البحث بعض الكلام في مفاد كان التامة والناقصة. ومن باب زيادة البيان نقول : إن مفاد كان الناقصة هو الوجود الرابط المتعلق بالجعل المؤلف

٣٢

فلا (١) موردها هنا (٢) للاستصحاب (٣) ؛ لعدم (٤) اليقين السابق فيه بلا ارتياب.

وأخرى (٥) : كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر ؛ ...

______________________________________________________

الذي يعبر عنه بالجعل المتعدي لاثنين كقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً)(١) في قبال الوجود النفسي وهو الجعل البسيط الذي هو إفاضة نفس الشيء المعبر عنه بلسان الأدباء بالجعل المتعدي لواحد كخلق السماوات والأرض ، وجعل الظلمات والنور.

وقوله : «الذي» صفة لما يستفاد من الكلام وهو الاتصاف بالتقدم أو أحد ضديه ، فإن هذا الاتصاف مفاد كان الناقصة ؛ لأنه قيد زائد على نفس الوجود المحمولي ، فإن اتصاف زيد مثلا بالعدالة صفة زائدة على أصل وجوده الذي هو أوّل محمولات الماهية ، وغيره من العوارض كالعدالة والفقاهة والغنى ونحوها محمولات مترتبة ؛ لترتبها على المحمول الأولي للماهية وهو الوجود.

(١) جواب قوله : «وأما» وبيان لحكم القسم الثاني وهو كون الأثر مترتبا على الاتصاف بالتقدم أو أحد ضديه بمفاد كان الناقصة ، وقد أوضحناه بقولنا : «لا يجري الاستصحاب في هذا القسم الثاني بجميع صوره ...» الخ وحاصله : أن استصحاب كون الحادث المتصف بالتقدم على حادث آخر لا يجري ؛ لعدم تيقّنه سابقا.

(٢) أي : في صورة ترتب الأثر على اتصاف الحادثين بالتقدم أو بأحد ضديه بنحو مفاد كان الناقصة.

(٣) أي : استصحاب عدم كون الوجود متصفا بالتقدم أو أحد ضديه بنحو مفاد ليس الناقصة.

(٤) تعليل لقوله : «فلا مورد» ، وحاصله : أن عدم جريان الاستصحاب هنا إنما هو لاختلال ركنه الأول وهو اليقين السابق ؛ وذلك لأن عنوان التقدم وضديه من العناوين المنتزعة عن الذات ومن الخارج المحمول ، فهي من قبيل لوازم الماهية غير المنفكة عنها في عالم تقررها ، وليست من الإضافات الخارجية المسبوقة بالعدم حتى يجري فيها الاستصحاب ، فلا يقين بعدمها حتى يستصحب. كذا قيل.

(٥) معطوف على قوله : «فتارة : كان الأثر الشرعي ...» الخ.

وغرضه : بيان حكم ما لو كان الأثر الشرعي مترتبا على عدم أحد الحادثين في زمان وجود الآخر ، وهذا القسم أيضا كسابقه على نحوين :

أحدهما : أن يكون العدم نعتيا ، وهو مفاد ليس الناقصة.

__________________

(١) البقرة : ٢٢.

٣٣

فالتحقيق (١) أنه أيضا (٢) ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته للحادث ؛ بأن يكون الأثر للحادث المتصف (٣) بالعدم في زمان حدوث الآخر ؛

______________________________________________________

ثانيهما : أن يكون العدم محموليا ، وهو مفاد ليس التامة.

وأما الأول : فحكمه عدم جريان الاستصحاب فيه لإثبات اتصاف وجود الحادث بالعدم في زمان حدوث الآخر ؛ وذلك لعدم اليقين السابق الذي هو أحد ركني الاستصحاب. مثلا إذا كانت طهارة الثوب المتنجس الملاقي للماء مترتبة على ملاقاته متصفة بعدمها آن حدوث كرية الماء ـ لعدم ترتب طهارته على مطلق الملاقاة ولو قبل كريته ـ فلا يمكن إحراز هذا الوصف العدمي للملاقاة بالاستصحاب ، ضرورة : أنه لا يقين بوجود الملاقاة متصفة بهذه الصفة السلبية حتى يستصحب ؛ إلّا بناء على السالبة بانتفاء الموضوع ؛ بل يجري استصحاب عدم الاتصاف المزبور ؛ لكونه معلوما سابقا.

(١) هذا إشارة إلى حكم النحو الأول المذكور بقولنا : «أما الأول : فحكمه عدم جريان الاستصحاب فيه ...» الخ.

(٢) يعني : مثل صورة الوجود النعتي الذي تقدم منه بقوله : «وأما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم أو بأحد ضديه».

وغرضه : أن العدم النعتي كالوجود النعتي في عدم جريان الاستصحاب ؛ لاشتراكهما في عدم اليقين السابق ؛ لما عرفت : من عدم تيقن ملاقاة الثوب المتنجس للماء متصفة بعدم كونها في آن حدوث الحادث الآخر وهو الكرية ، ومع عدم جريان الاستصحاب لإثبات اتصاف هذه الملاقاة بعدم تحققها آن حدوث الكرية لا يحكم بطهارة الثوب ؛ لعدم ترتبها على مطلق الملاقاة للماء ؛ بل على ملاقاة خاصة ، فيحكم بنجاسته لاستصحابها.

(٣) إشارة إلى النحو الأول وهو كون العدم نعتيا المذكور بقولنا : أحدهما : أن يكون العدم نعتيا وهو مفاد ليس الناقصة.

ثم إن ظاهر هذا التعبير جعل موضوع الأثر قضية موجبة معدولة المحمول ، ومن المعلوم : أن مفاد هذا النحو من القضايا مفاد كان الناقصة ؛ إلّا إن المحمول متضمن لمعنى سلبي لوحظ لبّا نعتا للموضوع ، وحيث إن الاتصاف بالوجود والعدم منوط بتحقق الموضوع ، فقبل وجوده لا اتصاف بالعدم في زمان الآخر ولا بوجوده فيه ، فركن اليقين بالحدوث مختل كما أفاده في المتن.

٣٤

لعدم (١) اليقين بحدوثه كذلك (٢) في زمان ؛ بل (٣) قضية الاستصحاب عدم حدوثه كذلك ، كما لا يخفى.

وكذا (٤) فيما كان مترتبا على ...

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد الاستصحاب» ، وحاصله : «عدم اليقين باتصافه بالعدم المزبور حتى يجري فيه الاستصحاب ؛ إذ لم يعلم أنه وجد متأخرا عن زمان حدوث الآخر حتى يتصف بالعدم ، أو وجد متقدما عليه أو مقارنا له حتى لا يتصف به. وضميرا «ثبوته ، بحدوثه» راجعان إلى أحدهما.

(٢) أي : متصفا بالعدم في زمان من الأزمنة.

(٣) يعني : بل مقتضى الاستصحاب عدم حدوث الحادث متصفا بالوصف المزبور ؛ لأنه متيقن سابقا ، فإذا فرضنا العلم بعدم الحادثين وهما في مثال الكرية والملاقاة يوم الأربعاء ، والعلم بحدوثهما يومي الخميس والجمعة مع الجهل بتقدم أحدهما على الآخر ، فيوم الجمعة ظرف العلم بوجودهما ، مع فرض ترتب الأثر الشرعي ـ وهو طهارة الثوب المتنجس ـ على ملاقاته للماء بوصف كونها معدومة حال حدوث الكرية ؛ إذ لو كانت الملاقاة قبل حدوث الكرية أو آن حدوثها ـ المندرج في مفهوم «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» كما تقدمت الإشارة إليه عند شرح قول المصنف : «وإن لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم حدوثه أيضا ـ لم يترتب عليها الأثر وهو طهارة الثوب أمكن استصحاب عدم حدوث الملاقاة بهذا الوصف العدمي من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، حيث إن الملاقاة بوصفها العدمي كانت معدومة يوم الأربعاء ولو لأجل عدم تحقق أصل الملاقاة فيه ، ويشك يوم السبت في انتقاض هذه الملاقاة الموصوفة بالوصف العدمي ، فيستصحب عدمها مع هذا الوصف ، ومقتضاه عدم طهارة الثوب المزبور ؛ لأن الاستصحاب يحرز عدم تحقق المطهر وهو وجود الملاقاة حال عدم حدوث الكرية.

قوله : «كذلك» أي : متصفا بعدم حدوثه في زمان حدوث الآخر ، وضمير «حدوثه» راجع على أحدهما.

هذا تمام الكلام في حكم النحو الأول وهو كون العدم نعتيا.

(٤) هذا إشارة إلى النحو الثاني وهو ما إذا كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما زمان الآخر محموليا ، وهو مفاد ليس التامة ـ بمعنى عدم تقيد أحدهما بالآخر ، ولا دخل عنوان انتزاعي كالاجتماع والتقارن في موضوع الأثر ـ وهذا هو ضابط الموضوع المركب ، حيث يقوم كل من العرضين بمعروضه ، ولا يدل الدليل على دخل أمر انتزاعي كعنوان

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الاجتماع في موضوع الأثر ، وحكم هذا النحو هو : عدم جريان الاستصحاب فيه أيضا ؛ لكن لا لعدم اليقين السابق كما كان في الفرض المتقدم ؛ بل لاختلال شرط جريان الاستصحاب وهو إحراز اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن كما سيأتي.

وتوضيح ذلك ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٦١٤» ـ يتوقف على ذكر مثال أوّلا ثم تعقيبه ببيان وجه عدم جريان الاستصحاب.

أما المثال : فهو كما إذا وقع بيع من الراهن ورجوع من المرتهن عن إذنه في البيع ، ولم يعلم تقدم أحدهما على الآخر ؛ والمفروض : إناطة صحة البيع بأن لا يقع في زمان رجوع المرتهن عن إذنه في البيع ، فلا بد هنا من فرض أزمنة ثلاثة للبيع والرجوع عن الإذن ؛ أحدها : زمان العلم بعدمهما معا كيوم السبت.

ثانيها : زمان حدوث أحدهما كيوم الأحد.

ثالثها : زمان حدوث الآخر كيوم الاثنين ، فيوم السبت زمان العلم بعدم كل من البيع والرجوع ، ويوم الأحد زمان العلم الإجمالي بحدوث أحدهما ، ويوم الاثنين زمان العلم الإجمالي أيضا بحدوث الآخر ، ففي يوم الاثنين يعلم بوجودهما مع الجهل بتقدم أحدهما على الآخر ؛ إذ لم يعلم أن البيع وقع في يوم الأحد حتى يكون مقدما على الرجوع عن الإذن ويترتب عليه آثار الصحة ، لوقوعه في زمان عدم الحادث الآخر وهو الرجوع عن الإذن ، أوقع يوم الاثنين حتى يكون باطلا ، لوقوعه بعد وجود الحادث الآخر وهو الرجوع عن الإذن الواقع يوم الأحد ، والمفروض : إناطة صحة البيع بوقوعه في زمان عدم الرجوع عن الإذن هذا.

وأما وجه عدم جريان الاستصحاب في عدم الرجوع عن الإذن ، مع كونه متيقنا يوم السبت فهو على ما أفاده : فقدان شرط جريانه أعني : إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

وتوضيحه : منوط بالإشارة إلى أمرين :

أحدهما : أن موضوع أخبار الاستصحاب هو نقض اليقين بالشك ، ومحمولها النهي المستفاد من «لا» الدالة على الزجر عن النقض ، ومن المعلوم ، أن ترتب كل محمول على موضوعه يتوقف على إحراز ذلك الموضوع بوجه من الوجوه ؛ وإلّا فنفس الخطاب قاصر عن إثبات موضوعه ، ف «أكرم العالم» مثلا يدل على وجوب إكرام كل من اتصف بالعلم على نحو القضية الحقيقية ؛ ولكنه لا يتكفل إثبات عالمية زيد أو غيره كما هو واضح.

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا في المقام ؛ فإن أحرز من الخارج صدق النقض على رفع اليد عن اليقين السابق كان ذلك منهيا عنه ، وإن لم يحرز صدقه فلا سبيل لإثبات أن رفع اليد عنه نقض بمجرد النهي عن النقض المستفاد من المحمول ؛ لعدم جواز التمسك بالعام في الفرد المشتبه كونه من أفراده ؛ وإن قيل بجواز التمسك به في فرده الذي يشك في كونه فردا للمخصص.

ثانيهما : أن التعبد الاستصحابي يكون بعنوان الإبقاء ؛ إما إبقاء للمتيقن السابق وإما إبقاء لليقين ، وهو يقابل النقض الذي معناه رفع اليد عن المتيقن أو اليقين ، ومن المعلوم : أن لازم هذا الإبقاء اتصال الموجود بالتعبد بالموجود بالحقيقة ؛ لكونه متيقنا ، ولو لا هذا الاتصال كان التعبد الاستصحابي بالوجود لا بإبقاء ما تيقنه ، فلا يصدق الإبقاء على ما إذا تخلل فاصل بين المشكوك والمتيقن ؛ كما إذا تيقن بوجوب شيء في الساعة الأولى وتيقن بعدمه في الساعة الثانية ، وشك في وجوبه في الساعة الثالثة ، فإنه ليس شكا في بقاء الوجوب المتيقن في الساعة الأولى ؛ وإنما هو شك في وجوده الحدوثي لا البقائي ، ولو فرض ترتيب آثار الوجوب عليه لم يكن جريا عمليا على الوجوب المتيقن في الساعة الأولى كما هو واضح.

وعلى هذا : فإن أحرز اتصال زمان المتيقن بالمشكوك صدق عنوان الإبقاء على ترتيب الأثر عليه : كصدق النقض المنهي عنه على رفع اليد عنه.

وإن أحرز انفصال المشكوك عن المتيقن لم يصدق الإبقاء والنقض قطعا كما عرفت في المثال. وإن لم يحرز اتصاله به ولا انفصاله عنه لم يمكن التمسك ب «لا تنقض» للحكم ببقائه تعبدا ؛ لأنه تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ؛ لتكفل الدليل لثبوت الحكم لموضوعه المفروض وجوده لا لإيجاد الموضوع.

إذا عرفت هذين الأمرين فلنعد إلى تطبيقهما على المثال المتقدم ، فنقول : إن زمان اليقين بعدم الرجوع كما مر آنفا هو يوم السبت ، فإذا استصحبنا يوم الاثنين ـ الذي هو زمان اليقين بوجود الحادثين وظرف الشك في التقدم والتأخر ـ عدم الرجوع لم يحرز اتصال زمان شكه بزمان اليقين ، حيث إن زمان الشك هو يوم الاثنين ، فحينئذ : إن كان حدوث الرجوع يوم الاثنين اتصال زمان الشك فيه بزمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت.

وإن كان حدوثه يوم الأحد انفصل زمان الشك ـ وهو يوم الاثنين ـ عن زمان اليقين ؛ لتخلل اليقين بالخلاف في يوم الأحد المتخلل بين يومي السبت والاثنين. ومع عدم إحراز الاتصال لا تحرز مصداقيته لعموم مثل : «لا تنقض اليقين بالشك» ، فالتمسك به حينئذ

٣٧

نفس (١) عدمه في زمان الآخر واقعا ، وإن كان (٢) على يقين منه في آن (٣) قبل زمان

______________________________________________________

في المقام تشبث به في الشبهة المصداقية ؛ إذ لو كان الرجوع في المثال يوم الأحد كان استصحاب عدمه يوم الاثنين من نقض اليقين باليقين لا بالشك ، والاستصحاب إنما يجري عند كون رفع اليد عن اليقين السابق نقضا له ، لا ما إذا دار الأمر بين كونه نقضا أو انتقاضا ، فإنه شبهة مصداقية لدليل «لا تنقض».

(١) أي : بدون لحاظ نعتيته حتى يكون عدما محموليا كالوجود المحمولي في كونه أول محمول يحمل على الماهيات ك «الإنسان موجود أو معدوم».

وقوله : «واقعا» قيد ل «الآخر» أي : يترتب الأثر على عدم أحد الحادثين في زمان الوجود الواقعي ـ لا التعبدي ـ للحادث الآخر.

(٢) وصلية ، يعني : لا يجري الاستصحاب في هذه الصورة وإن كان أول ركنيه وهو اليقين بعدمه موجودا.

والوجه في عدم جريانه : ما مر آنفا من عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين. وضمير «منه» راجع إلى «عدمه» ، وقوله : «وإن كان على يقين منه» إشارة إلى ما أفاده الشيخ «قدس‌سره» من جريان الاستصحاب ، وسقوط بالتعارض إن كان الأثر مترتبا على عدم كل من الحادثين بالإضافة إلى الآخر.

قال بعد منع إجراء أصالة التأخر لعدم اليقين به : «وأما أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر فهي معارضة بالمثل ، وحكمه التساقط مع ترتب الأثر على كل من الأصلين».

ومحصل وجهه هو : اجتماع أركان الاستصحاب من اليقين والشك في كل واحد من الحادثين ، مع ترتب الأثر الشرعي عليهما ، فالمقتضي لجريانه في كل منهما موجود ؛ إلّا إن وجود المانع من جريانه فيهما وهو التعارض أوجب سقوطهما.

وبالجملة : فمختار الشيخ جريان الاستصحاب في الحادثين وسقوطه بالتعارض ، ومختار المصنف عدم جريانه في نفسه لا لأجل المعارضة ، فعدم جريانه عند الشيخ إنما هو لوجود المانع وعند المصنف لعدم الشرط.

وتظهر ثمرة هذا الخلل فيما إذا كان الأثر لأحد الحادثين. دون الآخر ، فإن الاستصحاب يجري فيه ويترتب عليه الأثر بناء على مختار الشيخ ، ولا يجري فيه بناء على ما اختاره المصنف.

(٣) وهو الآن الذي يعلم بعدم وجودهما فيه كيوم السبت في المثال المزبور ، فإنه يكون قبل يوم الأحد الذي هو زمان اليقين الإجمالي بأحد الحادثين فيه ؛ إذ المفروض :

٣٨

اليقين بحدوث أحدهما ؛ لعدم (١) إحراز اتصال زمان شكه (٢) وهو زمان حدوث

______________________________________________________

العلم الإجمالي بحدوث البيع أو رجوع المرتهن عن الإذن في يوم الأحد. والمراد من اليقين في قوله : «زمان اليقين» هو اليقين الإجمالي بحدوث أحد الحادثين كما عرفت في مثال البيع ورجوع المرتهن.

(١) تعليل لعدم جريان الاستصحاب في النحو الأخير ، وهو كون الأثر مترتبا على عدم أحد الحادثين محموليا في زمان الآخر ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «وأما وجه عدم جريان الاستصحاب في عدم الرجوع عن الإذن».

(٢) الموجود في كلمات المصنف هنا وفي الحاشية في بيان المانع عن جريان الاستصحاب في القسم الرابع هو : عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ؛ ولكن الظاهر كما أفاده جمع من تلامذته «قدس الله أسرارهم» إرادة اتصال المشكوك بالمتيقن ؛ لا اتصال زمان نفس الوصفين ، وذلك لوجهين :

أحدهما : أن الشك واليقين من الأمور الوجدانية الحاضرة لدى النفس عند التفاتها إليها ، فيدور أمرها بين الوجود والعدم ، ولا يعرضها الشك وإنما يعرض وصفا اليقين والشك على الأمور الخارجية ، فهي إما متيقنة أو مظنونة أو مشكوكة.

وعليه : فنفس قول المصنف : «لعدم إحراز اتصال زمان شكه» شاهد على إرادة اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن ؛ لأنه يمكن فرض الشبهة الموضوعية فيه من أن المشكوك متصل بالمتيقن على تقدير ، ومنفصل عنه على تقدير آخر.

وأما نفس الشك واليقين : فهما إما موجودان قطعا وإما معدومان كذلك ، ولا معنى لشك النفس في أنها متيقنة أو شاكة.

ثانيهما : أن المعتبر في الاستصحاب اجتماع نفس اليقين والشك زمانا ، واختلاف المتيقن والمشكوك كذلك كالعدالة المتيقنة يوم الجمعة المشكوكة يوم السبت ، على خلاف قاعدة اليقين ؛ لتعدد زماني الشك واليقين فيها واتحاد زمان المتيقن والمشكوك وعلى هذا : فالمعتبر في الاستصحاب اجتماع الوصفين زمانا لا اتصالهما حتى يكون تخلل الفاصل بينهما قادحا في جريانه.

نعم ؛ ظاهر بعض الأخبار كقوله «عليه‌السلام» : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه» وإن كان اعتبار سبق حصول اليقين على الشك ، واتصال الشك به لمكان الفاء ، فمع عدم إحراز اتصال نفس الشك باليقين لا يجري الاستصحاب لاختلال شرطه.

٣٩

الآخر (١) بزمان يقينه (٢) ؛ لاحتمال (٣) انفصاله عنه باتصال (٤) حدوثه به.

وبالجملة : كان بعد ذاك الآن (٥) الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانا (٦):

______________________________________________________

إلّا إن هذا التعبير ناظر إلى ما هو الغالب في الخارج من حصول اليقين بشيء ثم الشك فيه ، لا أن سبق اليقين واتصال الشك به زمانا معتبر في الاستصحاب ؛ لجريانه لو حصل الوصفان في زمان واحد ؛ لإمكانه بعد اختلاف متعلقيهما بالحدوث والبقاء.

(١) وهو يوم الاثنين في المثال المذكور ؛ لما مر من أن أحد الحادثين ـ وهما البيع والرجوع ـ حدث يوم الأحد ، والحادث الآخر وجد لا محالة يوم الاثنين ، فزمان حدوث الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر هو يوم الاثنين الذي يكون العلم بوجودهما أيضا.

(٢) وهو يوم السبت في المثال ، حيث إنه زمان اليقين بعدم الرجوع. وقوله : «بزمان» متعلق ب «اتصال» ، يعني : لعدم إحراز اتصال زمان الشك في أحد الحادثين ـ كالرجوع في المثال ـ بزمان يقينه وهو يوم السبت ؛ وذلك لاحتمال حدوث الرجوع يوم الأحد المتصل بيوم السبت ، فلم يتصل حينئذ يوم الاثنين الذي هو زمان الشك في تقدمه على البيع وتأخره عنه بزمان اليقين بعدمه أعني : يوم السبت ؛ لتخلل يوم الأحد الذي هو زمان حدوث الرجوع بين يومي السبت والاثنين.

(٣) تعليل لقوله : «لعدم إحراز اتصال ...» الخ. وحاصله : إن وجه عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين هو احتمال حدوث الرجوع يوم الأحد المتصل بيوم الاثنين الذي هو زمان الشك ، ومن المعلوم انفصال يوم الاثنين عن يوم السبت الذي هو زمان اليقين بعدم الرجوع ، ومع هذا الاحتمال لا يحرز الاتصال المزبور الذي هو شرط جريان الاستصحاب.

(٤) متعلق ب «انفصاله» والباء للسببية ، يعني : لاحتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بسبب اتصال زمان حدوث الحادث المستصحب عدمه كالرجوع بزمان الشك في تقدمه وتأخره وهو يوم الاثنين ، فلم يتصل زمان شكه بزمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت ، وضمير «حدوثه» راجع إلى «الحادث» وضمير «به» راجع إلى «زمان شكه».

(٥) وهو يوم السبت الذي يعلم بعدم كلا الحادثين فيه والأولى ذكر الضمير العائد إلى الموصول بأن يقال : «الذي هو قبل».

(٦) أحدهما يوم الأحد في المثال المزبور ، وهو زمان العلم الإجمالي بحدوث أحد الحادثين ، والآخر يوم الاثنين كما سيجيء.

٤٠